الرئيسية » أخبار » أخبار عامة » سلسلة أنين الجدران: الاتجار بالبشر

سلسلة أنين الجدران: الاتجار بالبشر

إعداد:
حبيبة الهنائي

*ملاحظة: نعيد نشر سلسلة أنين الجدران حول قضية الاتجار بالبشر التي نشرت في يوليو/ تموز 2010. كما نأمل بعد مرور 10 سنوات أن يكون الوضع قد تحسن في عُمان وبقية دول العالم .

مقدمة:
لوحِظ في السنوات القليلة الماضية الاهتمام الدولي بظاهرة الاتجار بالبشر أو بما يعرف بالرق أو ظاهرة العبودية الحديثة، وذلك بعد مضي عشر سنوات على اعتماد بروتوكول باليرمو بالأمم المتحدة، وعلى بدء المحادثات الجادة لتحديد المعايير الدولية لمحاربتها والقضاء عليها. حيث اعتُمدت التشريعات الدولية والقوانين الجنائية الوطنية لوقفها والحد من انتشارها. كما تم تسليط الضوء على الأشكال المختلفة من ممارسة الاتجار بالبشر لرفع مستوى الوعي وإبراز الجهود المبذولة من قبل المجتمع المحلي والدولي.

وحسب الإحصائيات التي أعلنتها الخارجية الأمريكية في تقرير لها حول الاتجار بالبشر صدر في الرابع عشر من يونيو/ حزيران 2010 فإن معدل انتشار ضحايا الاتجار بالبشر في العالم هو: 1.8 لكل 1000 نسمة. بينما يرتفع هذا المعدل في آسيا والمحيط الهادئ إلى 3 لكل 1000 نسمة، وهو ما يُعَدُّ انتهاكًا واضحًا لبروتوكول باليرمو.

وإذا توقفنا عند مصطلح “الاتجار بالبشر” محليًّا في عُمان فسنجد أن أغلبيتنا لا يستوعب مفهومه أو يملك الوعي الكافي بالمعطيات التي تجعل المرء متاجِرًا بالبشر، ربما بسبب انعدام البرامج التوعوية المكثفة رغم تدشين موقع إلكتروني رسمي للجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر بالسلطنة. وهنا لابد لوسائل الإعلام المحلية من الاضطلاع بدورها المنوط بها للمساعدة في الكشف عن التجاوزات القانونية، ولفت انتباه الرأي العام وتوعيته حولها، وأيضا تحديد الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة والتوجيه بكيفية محاربتها، لأنه لا يمكننا فقط الاعتماد على إنسانيتنا وعلى ضمائرنا للحد من هذه الممارسات. فقد يكون هناك بيننا من يمارس المتاجرة بالبشر دون قصد أو وعي بأن ما يفعله هو مخالف للقانون.

كما أود التنويه بأنني اجتهدت في البحث والاطلاع حول هذه الظاهرة. وأعتذر مقدما إذا قدمت أية معلومة غير واضحة لأنني مثلكم أسعى للمعرفة:

تعريف الاتجار بالبشر

المصدر: ويكيبيديا
الاتجار بالبشر هي عملية توظيف، انتقال، نقل أو تقديم ملاذ لأناس بغرض استغلالهم. عملية الاتجار تتضمن أعمالًا غير مشروعة كالتهديد أو استخدام القوة وغيرها من أشكال الإكراه أو الغش. هذا الاستغلال يتم من خلال إجبار الضحية على البغاء أو على أي شكل من أشكال الاستغلال الجنسية، عبودية أو غيرها من الممارسات المقاربة للعبودية.

إذن مفهوم الاتجار بالبشر هو الاستغلال لمَواطن ضعف الضحايا بهدف الاستعباد، وهناك العديد من الأمثلة لهذه الممارسات، منها:

– الاسترقاق المنزلي اللاإرادي بالنسبة للأطفال والنساء.
– حرمان الفتيات من الالتحاق بالمدارس أو إرغامهن على الزواج في سن مبكرة.
– إكراه الأطفال على العمل أو استخدامهم في النزاعات المسلحة.
– الاتجار بالأطفال.
– تجارة الجنس والعمل القسري.
– استغلال العمال المحليين والأجانب بعقود مجحفة بحقهم.
– إرغام العمال المهاجرين على العمل ضد إرادتهم أو العمالة المشروطة بسداد دين.
– نزع الأعضاء للاتجار بها.
– الأقليات الإثنية التي لا تملك أي جنسية أو سجل ولادة.

الاتجار بالبشر في عُمان

أنين المقيمة بإقامة جبرية

أعرض عليكم حالة تقع في اعتقادي في إطار الاتجار بالبشر. وسوف أتجنب ذكر الأسماء الحقيقية لهذه الحالة حماية لها، واحترامًا لرغبتها التي جاءت بسبب شعورها بالخوف الشديد، وبالتالي سوف ألقبها ”أنين“.

لو كان الفقر رجلا لقتلته

”أنين“ شابة قروية فقيرة من مقاطعة حيدر أباد الهندية، وجدت الأمل قبل ستة أعوام في تحسين الوضع المعيشي لها ولأسرتها الفقيرة، وذلك عندما قرأت إعلانا في إحدى الصحف المحلية لطلب توظيف شابات متخصصات بالتجميل للعمل في السلطنة.

أنين من مواليد عام 1987، أي أنها الآن (في 2010) في الـ 23 من العمر. ولقد أجبرتها الظروف المعيشية لأسرتها الفقيرة على التوقف عن الدراسة منذ الصف العاشر. فتعلمت مهنة التجميل بعد انخراطها في دورات قصيرة. ثم عملت بإحدى صالونات التجميل بقريتها. تقدمت أنين للإعلان وأجريت لها المقابلة الشخصية من قبل كفيلتها الجديدة القادمة من ذات القرية في حيدر أباد. تخطت أنين المقابلة بنجاح، وتم اختيارها للعمل في السلطنة.

طلبت الكفيلة الهندية من أسرة أنين تجهيزها للسفر، رغم أنها حينها لم تكن قد تجاوزت السادسة عشرة من العمر! وطمأنتْ الكفيلة والدَيْ أنين بأن ابنتهما ستكون في أيدٍ أمينة وتحت مسئوليتها المباشرة. ثم عرضت على الوالدين عقد عمل أنين كأخصائية تجميل، وهو عقدٌ يشترط موافقتهما على أن تتقاضى أنين راتبا شهريا قدره (45) ريالا عمانيا (117 دولارا أمريكيا). اضطر الوالدان إلى الموافقة بسبب الفقر وعدم إلمامهما بالقوانين العُمانية. كما أن هذا المبلغ كان مُرضيا بالنسبة لدخل أسرة أنين الضئيل. بعدها أقدمتْ الكفيلة على إنهاء إجراءات السفر وتزوير تاريخ ميلاد أنين في وثيقة السفر إلى عام 1983. وهكذا أضافت أربع سنوات كاملة إلى عمرها الصغير لكي تصل للسن القانوني للسفر والعمل.

دخلت أنين سلطنة عُمان بتأشيرة سياحية كابنة لشقيق الكفيلة! ولم تكن تملك أية تفاصيل أخرى حول وضع عملها أو إقامتها بالسلطنة. ومباشرة تسلمت مهام عملها في صالون التجميل الذي تملكه الكفيلة في مسقط. وكان مقر سكنها عبارة عن شقة صغيرة تشترك فيها مع مجموعة من الفتيات أو زميلات العمل، جميعهن كن قريبات من سنها، وقدمن من نفس قريتها، مسلمات، صغيرات السن، وغير متزوجات.

وما هي إلا فترة قصيرة بعد وصول الفتيات إلى عُمان حتى ظهر الوجه الحقيقي لهذه الكفيلة الي كانت تتخذ ضدهن إجراءات تعسفية صارمة. فقد كانت تتعمد انتقاء الفتيات الصغيرات في السن وقليلات الخبرة، لكي تتمكن من إحكام قبضتها عليهن والاتجار بهن دون أي اعتراض من قبلهن. وقد نجحت في ذلك، حيث كانت الفتيات يرهبنها بشكل كبير. وقد كانت تمارس العنف النفسي ضدهن وتخوفهن بمعارفها، أصحاب النفوذ والمناصب الكبيرة في الدولة، وتهددهن بعواقب وخيمة في حال حاولن الهروب أو الشكوى أو التذمر لدى الزبائن.

من هذه الإجراءات الصارمة التي فرضتها الكفيلة على ضحاياها أنه لم يكن يُسمَح لأي منهن امتلاك هاتف نقال أو الخروج من الشقق بمحض إرادتهن. كما كن يعملن لساعات طويلة وغير محددة، خاصة في شهر رمضان والمناسبات الدينية والوطنية التي تتجاوز الساعات الأولى من الصباح الباكر، وبدون تعويضهن عن ساعات العمل الإضافية المرهقة. كما لم يتم تحديد فترة للإجازة الأسبوعية لهن، حيث تُرِك القرار إلى مزاج الكفيلة ومدى رضاها عن أي واحدة منهن. وكانت الفتيات يتناوبن فيما بينهن على إعداد الطعام وتناول الوجبات والإفطار عند الصيام. وكل ذلك لكي يبقى الصالون مفتوحا على مدار الأسبوع، ولتظلّ الكفيلة تربح من وراء عملهن ذهبا .

وقلما كانت الكفيلة تأخذهن لطبيب في حال مرضت إحداهن، رغم قيامها بخصم تكاليف العلاج من راتبهن الشهري الضئيل في الأساس. وكانت تسمح لهن بالذهاب للتسوق وشراء احتياجاتهن و لوازمهن الضرورية مرة واحدة في الأسبوع، ولفترة ساعتين فقط، بشرط مرافقة زوج الكفيلة لهن. كما كانت الكفيلة تقوم بمهمة تحويل المبالغ المالية إلى ذويهن وتدفع لهن المتبقي منه كمصروف للجيب.

وقد ذهبتْ هذه الكفيلة في تعسفها ضد هذه الفتيات إلى أبعد من هذا، إذْ كانت تسمح لنفسها بالتلصص على رسائلهن الخاصة وقراءتها قبل أن يتم إرسالها إلى أحبائهن في الوطن عبر البريد التقليدي. كما كانت لا تتوقف عن تهديدهن بختم جوازات سفرهن بالختم الأحمر الذي يعني حرمانهن من العودة مجددا إلى أراضي السلطنة، وهو أمرٌ كان كافيًا لإثارة الرعب في قلوبهن الصغيرة والبائسة. فهؤلاء الفتيات أتين من مجتمع مسلم ومحافظ، وتدرك الكفيلة ذلك جيدا كونها واحدة منهن، وأن نقطة ضعفهن هي اللعب على وتر الشرف والسمعة السيئة. فإذا قامت بختم جواز أي واحدة منهن بالختم الأحمر فسوف يلحق العار بالفتاة وبأسرتها، وبالتالي سوف يشيع الخبر في قريتها الصغيرة عن سوء أخلاقها وتدنيس شرفها، ولن يتقدم إليها أحدٌ لخطبتها، وكانت الكفيلة تردد على مسامع الفتيات – في لهجة تهديدية – أنه إذا ما خُتِمتْ وثيقة سفر أي منهن بالأحمر فسوف تتبرأ منهن أسرهن، مستغِلّةً أن هذه الأسر ستصدقها نظرا لمكانتها المرموقة في القرية. ومما ضاعف معاناة أنين بعد ذلك انضمام شقيقتها الصغرى مؤخرا إلى طاقم ضحايا الكفيلة المجردة من المشاعر، وبالتالي أصبحت الشقيقتان ترضخان تحت رحمتها.

الإقامـــة الجبريـــة

لكن حدث قبل تسعة أشهر أمر لم يكن في الحسبان، فقد كان بانتظار أنين زيارة غير متوقعة. عندما قدِم إلى الصالون مفتشو القوى العاملة، وطلبوا مراجعة بطاقات هوية الفتيات. أُمرت أنين بمرافقة المفتشين وسط ذهولها ثم نُقلت إلى مركز الشرطة حيث احتجزت هناك.

لم تستطع أنين استيعاب سبب هذا التصرف، وعندما حاولت الاستفسار! تم إبلاغها بأنها تعمل في صالون للتجميل بينما إقامتها مسجلة كخادمة! وكانت هذه هي المرة الأولى التي تعلم فيها أنين بحقيقة إقامتها بالسلطنة كخادمة.

استعارت أنين هاتف وافدة عربية كانت محتجزة معها، وأجرت اتصالا بالكفيلة التي بدت مرتبكة بعض الشيء، لكنها طمأنتها بخروجها في حال لم تعترف بعملها الحقيقي في الصالون وأن الذي عليها قوله فقط بأنها تعمل في الصالون كعاملة نظافة. ثم أنهت حديثها بنبرة تهديد دعتها فيها بأن تفكر بأسرتها وبمصير شقيقتها الصغرى.

خرجت أنين بعد يوم من الحجز بكفالة، وهكذا أُدرج اسمها في سجلات السوابق لمخالفة قانونية لم تقترفها ودون أن يستوعبها عقلها الصغير، حيث يلزم القانون بترحيلها من أراضي السلطنة بشكل مباشر. لكن كان للكفيلة رأي آخر! فقد قررت حبس أنين في الشقة لمدة تسعة أشهر كاملة، بحجة أنها تنتظر وصول فتاة بديلة عنها. ومنعتها من الخروج نهائيا خوفا من أن يتم القبض عليها مرة أخرى. وعند الخروج للضرورة القصوى فلابد أن تكتسي بالسواد من رأسها وحتى أخمص قدميها. ومن آن لآخر كانت الكفيلة تهدئ من روع أنين وتطمئنها بقرب موعد سفرها، ولكن طال الانتظار. كما شددت على بقية الفتيات إبلاغ من تسأل عن أنين من زبائنها بضرورة التأكيد لهن بأنها قد غادرت أراضي السلطنة.

لماذا لم أقم بتقديم بلاغ لحالة أنين عبر الموقع الإلكتروني للجنة الوطنية لمكافحة الإتجار بالبشر بالسلطنة؟

لم أتقدم بالبلاغ لأسباب التالية:

أولا ، مدى الرعب الذي لمسته من أنين والذي كان كفيلا بردعي عن تقديم البلاغ. فقد كانت تتصل بي في اليوم مرات عديدة ترجوني عدم تقديم البلاغ خوفا من بطش كفيلتها في حال علمت بحديثها معي. وانصب قلقها في أن تنفذ تهديدها بختم جواز سفرها بالختم الأحمر وقت مغادرتها أراضي السلطنة.

ثانيا ، كنت أترقب مغادرة أنين لأراضي السلطنة والاطمئنان على سلامتها هي وشقيقتها، ولقد تحدثت معها فعليا بالهند وتأكدت من مغادرتها لأراضي السلطنة مع شقيقتها بتاريخ 3 / يوليو / 2010 . وقد قدمت ملاحظاتها التالية :

قررت أنين و شقيقتها مغادرة أراضي السلطنة بسبب الظلم الذي تعرضتا له من قبل الكفيلة.
راتب أنين الشهري كان قد وصل إلى (100) ريال بعد ستة أعوام من الخدمة. رغم أن حبسها لمدة تسعة أشهر في الشقة لم يكن باختيارها أو برضاها، لكن قامت الكفيلة بخصم مبلغ (40) ريالا من راتبها الشهري بحجة أنها لم تكن تعمل.
لا زالت أنين تخشى من بطش كفيلتها السابقة لمعرفتها عنوان سكنها هي وأسرتها.

ثالثا ، الموقع الإلكتروني الرسمي لم يوضح التبعات القانونية لمن يتقدم بالبلاغ في حال تطورت القضية إلى ملاحقات قانونية للشخص الذي تقدم بالبلاغ أو المبّلّغ عنه أو من يكفله! لأن من شروط قبول البلاغ تقديم البيانات الشخصية للطرفين.

انتهى ،،،

الروابط الخارجية:
Trafficking in Persons Report 2010تقرير الخارجية الأمريكية للاتجار بالبشر
https://2009-2017.state.gov/documents/organization/142979.pdf

اللجنة الوطنية لمكافحة الإتجار بالبشر بالسلطنة:
http://www.ncchtoman.gov.om/arabic/default.asp