الرئيسية » أنين الجدران » صحـــار تنتحــب: أنيــن أســر المعتقليــن

صحـــار تنتحــب: أنيــن أســر المعتقليــن

تاريخ النشر: ٦ فبراير ٢٠١٢

إعداد: حبيبة الهنائي

لكي لا ننسى ما حدث للوطن منذ العام ٢٠١١، ولكي لا ننسى من قدموا التضحيات لنيل حقوقنا المشروعة في المطالبة بالاصلاح والعدالة الاجتماعية والقضاء على الفساد وتوفير حياة أفضل للعُمانين. ولأجل روح شهيد الوطن حسن البشام نعيد نشر هذه السلسة من أنين الجدران.

مقدمة:
ها أنا أعود مجددا الى صحار، صحار العصية التي تأبى الا أن تكون محطة لكل الأنظار، بفرحها، ومآسيها، بتمردها، وسكونها. على عتبات بوابتها احتوانا الحزن، وعلى سمائها الملبدة بالغيوم، كبحت دموعها المخنوقة؛ في مقلتي أمهات تُصدرن أنينًا بصوت مبحوح، وزوجات يائسات، ومستقبل مجهول لأطفال أبرياء لا ذنب لهم.
لبينا الدعوة بعد فترة طويلة، وربما جاءت متأخرة. لأننا ارتأينا الانتظار والانتظار لعل وعسى أن تهدأ النفوس، وتصفو القلوب، وتستقر الأحوال، وأن تتصالح جميع الأطراف، ويشعر الجميع بالأمن والاطمئنان.


لبينا النداء؛ نداء شباب الولاية، الذين انتابهم القلق على ما آل اليه الحال والوضع الاجتماعي لبعض الأسر المنكوبة من جراء اعتقال أبنائها المتقطعة بهم السبل، والشاحّة عليهم مصادر الرزق، كيف لا وهم من كانوا السند والمعيل والونيس.


دموع ذُرفت كلما دنونا نحو باب وخرجنا من آخر. أمهات يتشوقن إلى احتضان فلذات أكبادهن قبل أن يغدر بهن الزمان. وزوجات ينتفن خيوط السجادة المهترئة، بأصابعهن النحيلة المرتعشة، تتقطع كلماتهن المبحوحة، المخنوقة، كقلوبهن، لحظة انتحار دموع، على خدودهن اليافعة، تحمل معها كل أوجاع القهر، والاحساس بالظلم. تهوي تلك الدموع وتتناثر على السجادة المهترئة. وعلى الزاوية أطفال يسردون ذات الحكاية التي تتردد على مسامعهم مرارا وتكرارا مع مرور الأيام، بأن أباهم سيعود قريبا من السفر وهو محمّلٌ بشتى أنواع الهدايا واللعب والحلويات التي ستكفي جميع أطفال الحارة.
ما الذي يحدث في صحار؟


مـاذا حـدث لصحار؟


صحــار تنتحب:
تحركنا نحو حارة (عمق) الساحلية، لمسنا حزن شواطئها، وثورة أمواجها، واحتقان رمالها، وأنين جدرانها حتى كادت تنطق. غالبية سكان حارة عمق يمتهنون الصيد ومن ذوي الدخل المحدود والمتدني.
طرقنا الباب، وفتحت لنا أم السجين هلال التي كانت تترقب وصولنا، وهو أحد الشباب السجناء في أحداث صحار. ألقت علينا التحية ورحبت بنا في حوش (باحة) المنزل. بدت أم هلال شاحبة الوجه، قلقة، ونظراتها التائهة تتبعنا بحركات سريعة هنا وهناك. كان من الواضح أن بالها مشغول للغاية. فرشتْ في حوش المنزل حصيرةً متشققة (ثم دعتنا للجلوس.


بعد لحظات قليلة انضم الينا أحد أبنائها. وبعد التعريف بأنفسنا بدأتُ بالسؤال عن أحوال ابنها السجين وعن الوضع الاجتماعي لأسرتها منذ اعتقاله وسجنه. أجابت: ابني هلال يبلغ (33) من العمر، وقد توفت زوجته قبل أشهر قليلة من اعتقاله، وتركت الراحلة ثلاثة أطفال يتامى هم في عمر (11 سنة) و (9 سنوات) و (5 سنوات) على التوالي. لفترة عمل هلال في إحدى شركات ميناء صحار لكن تم الاستغناء عنه دون إبداء الأسباب. هكذا بين ليلة وضحاها وجد نفسه أرملا وعاطلا عن العمل بل ومسئولا عن ثلاثة يتامى. وأضافت: كما أن عليه قرضًا بنكيًا يبلغ ألفًا ومائة (1100) ريال عماني. ولقد عجز عن دفعه. وكان قد اقترضه لدفع ايجار الشقة التي كان يسكنها هو وأسرته قبل وفاة زوجته.


وهنا بدأت كلمات أم هلال تخرج بشكل متسارع، وكأنها تحاول تجنب التركيز على وقعها في نفسها قائلة: أنا أيضا أرملة وأربي يتامى لسنوات طويلة وليس لدي دخل وهذا المنزل هو ملك لمجموعة من الورثة وزوجي المتوفي كان مجرد شريك فيه.


وأضافت بصوت أشبه بالحشرجة: أنا امرأة طاعنة في السن، ومريضة بالربو. وبعد أن كنت أربي يتامى الآن أصبحت أربي أيضا يتامى اليتامى وهم أحفادي من ابني هلال. وتساءلتْ بحرقة: في هذا المنزل يقيم أربعة عشر فردا فأين لنا أن نوفر كل مصاريفنا في ظل هذا الغلاء المعيشي؟! ولولا ما يرسله الينا هذا الشخص، وأشارت الى حسن البلوشي (البشام) لما عرفنا كيف كنا سنعيش. ثم أجهشت بالبكاء.


بعد أن هدأت عدتُ وسألتها عن سبب اعتقال ابنها هلال، وعن تهمته، وعن مدة حكمه؟؟ أجاب ابنها بالنيابة عنها قائلا إن تهمته هي إغلاق دوائر حكومية، وأن فترة حكمه هي خمس سنوات. عاودت أم هلال الحديث قالت: ابني هلال شخص مسالم جدا فهو لم يحرق أو يكسر شيئا لكنه كان يمر بظروف صعبة جدا، وكان عاجزًا عن مساعدة نفسه وأولاده اليتامى كونه عاطلا عن العمل. ولقد ذهب في ذلك اليوم الى دائرة العمل في صحار لكي يطالب بوظيفة، وهناك أجريت له تلك المقابلة التي على إثرها تم اعتقاله. ولقد اعتقل لاحقا عند مسجد الطريف حيث كان يصلي. وأضافت: عيشتي أصبحت صعبة بدون هلال. ومجددا انتابتها نوبة بكاء. سألتها عمّا إذا كانت قد تواصلت معها أي من الجمعيات الأهلية، أو تم إرسال معونات شهرية لها أو لعائلتها؟ أجابت وسط دموعها بالنفي وقالت: لا أحد يساعدني، ومثلما تشاهدين الوضع السيء للمنزل.


وهنا سألتها عمّا إذا كانت تمانع أن نلتقط صورًا لها وللمنزل فأجابت بانفعال شديد: لا. لا أريد أي تصوير. فقد اعتقلوا ابني لأنه تحدث في التلفزيون في لقاء مع أحد المذيعين، آه لقد نسيت اسمه الآن، نعم لا أرغب بالتصوير. أوضح حسن البشام لها أننا متطوعون ولا ننتمي لأية وسائل إعلامية رسمية. هنا تغلبت على خوفها قليلا فوافقت على التقاط الصور لثقتها الكبيرة به.
رافقتنا أم هلال حتى عتبة المنزل لتوديعنا وهي تردد على مسامعنا: أترجاكم أن تساعدونا. أريد أن يعود الينا ابني هلال أكثر من أي شيء آخر في هذه الحياة.


انتقلنا إلى المنزل الثاني الذي يقع في نفس الحارة، ويبعد عن منزل أم هلال مسافة بسيطة. طرقنا باب البيت الذي كان يطل على البحر مباشرة وينتمي لأسرة سجين آخر من سجناء أحداث صحار، وهو شابٌ يبلغ من العمر (35) عاما. متزوج ولديه ابن وحيد يبلغ (5) سنوات، بينما كانت زوجته تنتظر خلال الأسابيع القليلة القادمة مولودها الثاني. رحب بي عدد كبير من النسوة وأطفالهن ثم انتقلنا الى الصالة المخصصة للنساء.


شقيقته (سأرمز لها بالحرف هـ) كانت المتحدثة الوحيدة طوال الجلسة. كانت تتحدث بلغة فصيحة وجادة. تتحدث وهي تنظر نحو الفراغ. وتتجنب إمعان النظر في وجوه بقية النساء في محاولة يائسة منها لكبت دموعها. جلسنا جميعا على الأرض مع بقية نساء الحارة في حلقة دائرية بينما فضلت أم السجين (خ) عزل نفسها عن المجموعة والجلوس بمفردها في ركن المجلس ومتابعة الحوار عن بعد وفي صمت، بينما تقاطيع وجهها الموجوع تقول الكثير.


بدأتُ بطرح سؤال يتيم، ومباشرة وجدت شقيقة السجين تنطلق في الكلام وكأنها في جلسة بوح مع أحد الأطباء النفسانيين. قالت: شقيقي (خ) سلّم نفسه في شهر مارس من العام الماضي (2011)، وذلك بعد صدور حكم ضده. مدة حكمه خمس سنوات سجن بتهمة إغلاق الدوائر الحكومية. وأضافت: في ذلك اليوم توجه أخي (خ) إلى تلك الدائرة لكي يطالب براتب الضمان الاجتماعي لوالدنا الطاعن في السن. وكان يحمل معه الأوراق الثبوتية التي تؤكد بأن والدنا يعاني من ورم في الساق وآلام في الظهر وهو بحاجة ماسة الى عملية جراحية.
واصلتْ: كما أن أخي عاطل عن العمل. و سابقا كان يعمل في الجيش. لكنه ترك عمله بسبب تغيّبه المستمر نظرا لظروف والدنا الصحية وزوجته المريضة. وأكملتْ: كما أن والدتنا مريضة بالسكري والضغط وحالتها النفسية تدهورت بشكل كبير بسبب ما حصل لابنها.

وأضافتْ: يقيم في هذا المنزل (17) شخصا، منهم اثنان عاطلان عن العمل. صحيح نحن أناس بسطاء ونكسب رزقنا من البحر لكننا أسرة مسالمة جدا وذات سمعة طيبة، وقد صعقنا من هول الصدمة عندما بلغنا صدور هذا الحكم القاسي ضد أخي! فهو لم يكن يوما ”راعي مشاكل“ ويشهد الله أن كل الناس في الحارة تحبه، وحياته مقسمة ما بين البيت والمسجد. لذلك لم نتمكن من استيعاب الذي يحدث لأسرتنا. وأشارت إلى طفله قائلة: وما ذنب ابنه المسكين هذا لكي يحرم من أبيه؟ هو يسأل عن أبيه طوال الوقت ونضطر للكذب عليه بأنه مسافر وسيعود قريبا! وما ذنب زوجته المريضة هذه التي تسقط يوميا مغشيا عليها بسبب بكائها بحرقة والتفكير في زوجها المظلوم حتى أصيبت بمرض السكري وتعاني من هبوط في الضغط. وهنا بدأت زوجته تجهش في البكاء. تماسكت (هـ) بصعوبة ثم قالت: وما ذنب والدته المريضة الجالسة في الزاوية هناك لكي تفقد ابنها وهي في هذا العمر؟ يا ليت لو كان مسوي شي غلط كنا تقبلنا هذا الحكم الظالم. فقط هم كانوا يطالبون بالحقوق، ولا يفترض ان يجازوهم بالسجن ويحرموهم من أولادهم وأسرهم. بدأت الأم تذرف دموعها وتمتمت: الله كريم وهو الذي سيفك سجنه.


سألتُ زوجته عن شعورها بكل ما حدث، وخصوصا إنها في الأسابيع الأخيرة من الحمل، وعمّا إذا كانت قد تمكنت من زيارة زوجها في السجن أم لا ؟ أجابتني: حالتي جدا صعبة، خصوصا مع اقتراب فترة الولادة، وغياب زوجي. كما إن ابنه دائم السؤال عنه، لذلك حالتي النفسية تدهورت بشكل كبير. ونتيجة لذلك أعاني من نقص شديد في الوزن ونقص الدم والسكري والضغط، مما تسبب لي في نوبات إغماء متكررة خلال اليوم الواحد، وبالتالي نصحني الأطباء بعدم زيارة زوجي أثناء هذه الفترة من الحمل. وأيضا هذا الأمر صعبٌ عليَّ للغاية؛ فلا يمكنني تحمُّل رؤيته وهو خلف القضبان. كما أفكر كثيرا بأنه لن يرى مولوده الجديد حتى يبلغ الرابعة من عمره، وذلك حين انتهاء مدة محكوميته. لذلك أتسلح بقراءة القرآن الكريم والدعاء له بأن يفرج عنه قريبا.


وجهت نظري نحو زاوية أم (خ) وسألتها عمّا إذا كان لديها ما تقوله. هزت رأسها بالنفي وهي تنظر للأسفل بحزن. ختمتُ بسؤال عن وضعهم المادي فأجابت أخته: أخي (خ) لديه سلفية قيمتها (12) ألف ريال، وحاليا تتلقى أسرته معونة شهرية من الضمان الاجتماعي قيمتها (124) ريالا. وأكملتْ: نحن لا نريد شيئا سوى أن يعود الينا أخونا سالمًا غانمًا، حتى ولو بقي هكذا بدون عمل. فعائلتنا لم تتعرض من قبل لظرف كهذا والكل يشهد بأننا أسرة مسالمة ولا نبحث عن المشاكل. مسحتُ على رأس طفله وخرجت.


المشروع الخيري لدعم أسر المعتقلين


غالبا ما نجد أن الظروف القاسية التي تحيط بنا هي التي تفرض نفسها علينا وتلزمنا بابتكار المبادرات الإنسانية الهادفة لإيجاد الحلول المناسبة لها للمساهمة في التخفيف من حدة قساوة الحياة على من هم أقل منا حظا، وأيضا في تفعيل عمل المجتمع المدني ونشر ثقافة التطوع والتكافل الاجتماعي. ومن بين هذه المبادرات الرائدة المشروع الذي نفذه المواطن/ حسن بن مبارك البلوشي من ولاية صحار، والمعرووف بــ” حسن البشام”. ولقد جاءت مبادرته على شكل مشروع خيري يعود ريعه لصالح أسر المساجين، ويعاونه فيه مجموعة من المتطوعين ممن آمنوا بالفكرة والأهداف النبيلة التي قام عليها هذا المشروع. وهو مشروعٌ كان له دور كبير في التخفيف من حدة البؤس وذل الحاجة عن أسر سجناء أحداث صحار.

يتم تنفيذ هذا المشروع حتى الآن (2012) داخل ساحة منزل الدبلوماسي السابق والناشط الحقوقي حسن البلوشي بقرية الطريف في ولاية صحار. ولقد قمنا بزيارته للاقتراب من فكرة هذا المشروع ومعرفه تفاصيله أكثر. وأجرينا معه هذا الحوار:


ما هي فكرة المشروع؟
فكرة المشروع عبارة عن جمع جذوع أشجار النخيل المهملة وصبغها بألوان زاهية وبيعها ومن ثم توزيع ريعها لأسر مساجين أحداث 26 فبراير 2011.

ما الذي دفعكم لتنفيذ هذا المشروع؟
الذي دفعنا لتنفيذ هذا المشروع هو اعتقال عدد من شباب صحار بعد أحداث 26 فبراير (2011) ومنهم من كان العائل الوحيد لأسرته، وبالتالي انقطع عن الأسرة مصدر دخلها، كما أن الراتب الذي كان يتلقاه السجين قبل اعتقاله ضئيل جدا، عدا أن بعض السجناء كان من فئة العاطلين عن العمل. علما أن بعض الأسر يصل عدد أفرادها إلى (16) فردا، وبالتالي فإن هذه القضية إنسانية بحتة، ووجبت مساعدة هؤلاء المساجين بعد أن ترك هؤلاء أطفالا صغارا (وأشدد على كلمة الأطفال)، كما أن بعض أفراد هذه الأسر من المعاقين والمرضى و الكبار في السن.

هل هناك متطوعون يساعدونكم في تنفيذ العمل؟
نعم. هناك عدد لا بأس به من المتطوعين ومعظمهم من مساجين أحداث 26 فبراير بعد الانتهاء من محاكمتهم أو ممن تم الإفراج عنهم، علما بأن العديد من هؤلاء المساجين فقدوا وظائفهم ومصادر رزقهم، وبالتالي تطلب منا الأمر أن نتفكر في وضعهم بعد خروجهم، فهم لن يجدوا وظائف بانتظارهم، ولذا هدفنا أن يحتويهم هذا المشروع إلى أن يجدوا وظائف أو مصادر دخل بديلة.

كم تكلفة الجذع الواحد؟
السعر المحدد للجذع الواحد هو (25) ريالًا، ومعظم المشترين هم من المتعاطفين مع هذه الأسر لأن المشروع لا يهدف الى الربح الشخصي، فالقضية –كما أخبرتك سابقًا- هي انسانية وخيرية بحتة.

ما هو مصير هذا المشروع؟ وهل سيتوقف عند خروج المساجين وبعد ضمان استقرارهم الإجتماعي والوظيفي؟
لقد قمنا باستخراج الملكية الفكرية لهذا المشروع، وسوف يتحول في وقت لاحق كأحد المشاريع الوطنية للأعمال الخيرية، وسيضع على عاتقه توفير العمل للمساجين بعد خروجهم لحين استقرارهم في وظائف أو مهن أخرى مناسبة. ولاحقا سيتوجه هذا المشروع للأعمال الخيرية أي سيكون مشروعًا وطنيًا بالدرجة الأولى يخدم أي انسان محتاج غير قادر على إعالة نفسه أو أسرته.

بما أن العمل الخيري مقنن في الدولة كما أن هناك العديد من المؤسسات الخيرية أو فرق العمل التي تتبع وزارة التنمية الاجتماعية والقطاع الخاص، هل تم التواصل معها لأجل مساعدة هذه الأسر؟، وهل هناك توجُّهٌ ما لتنظيم هذا الجهد وتقنينه لكي تبعدوا عن أنفسكم شبهات الاحتيال أو مخالفة القوانين؟ وهل هناك نية مستقبلية للعمل تحت مظلة إحدى المؤسسات الخيرية الرسمية المعتمدة في الدولة؟
طبعا هذا التساؤل وُجِّه الينا حتى من الزبائن الذين يشترون هذه المقتنيات، وقد عرضنا على مثل هؤلاء ممن هم متشككون في نوايانا أن يقوم المشتري هو نفسه بتسليم هذه المبالغ للأسر مباشرة. بالنسبة لتنظيم العمل بشكل رسمي طبعا هذا حق للجهات الرسمية أن تعرف، ونتمنى أن تفتح لنا هذه الجهات حسابًا بنكيًا، وأن تمنحنا قطعة أرض صناعية وورشة، ونتمنى تسجيل عملنا هذا وأن تكون المسألة رسمية بكل المقاييس. أما الآن فأنا أقترح أولا أن يسجل المشروع باسم المعتقلين؛ مساجين ٢٦ فبراير.

من جانبكم هل سعيتم إلى تسجيل هذا المشروع كمشروع خيري لدى الجهات الرسمية وتم رفضه ؟أم أنكم لم تبادروا بعد بهذه الخطوة؟
نعم. لقد قمنا بتسجيله كملكية فكرية وصناعية. ولقد حصلنا على الموافقة. ولكن الشباب الآن موجودون في السجن، وبمجرد خروجهم سوف نقوم بتسجيل المشروع بأسمائهم كلهم. وسوف نخلق فرص عمل في الورشة لكل من لم يجد منهم عملًا، وسنساعد كل من قام بالتظاهر والاعتصام على تحسين معيشته والحصول على عمل بحيث يستطيع إعالة نفسه وعائلته.

قد يعتبر البعض قيام هذه المبادرة نوعًا من التحدي للسلطة، لهذا لكي لا يساء فهم أهداف هذا المشروع سوف أكرر سؤالي السابق وهو: هل قمتم بالتواصل مع المؤسسات الخيرية القائمة في الدولة والتنسيق معها لمساعدة هذه الأسر؟
بالأمس زرت أسرة أحد المساجين، فأخبرتني امرأةٌ من هذه الأسرة أنها تعاني من الربو والكلى. وسألتها: هل جاء أحد لمساعدتك؟ أجابت بالنفي. وحين زرتُ أسرة أخرى قيل لي إنه حتى لو قامت مؤسسة خيرية رسمية بمساعدة هذه الأسرة فإنها ستعطيها ١٢٠ ريالًا فقط بينما هذه الجذوع توفر للأسرة خمسين ريالًا في الأسبوع. إذن هي مساعدة إضافية، لأنه من حق هذا الانسان أن يعيش حياة أفضل. ذلك أن مساعدة الدولة –فيما لو حصلتْ- لا تكفي لإعالة أسرة من ١٦ شخصًا على سبيل المثال. فأي مساعدة إضافية لهؤلاء البشر هي أمر جميل. نحن كمعتقلين كنا معتصمين من أجل القضاء على البطالة، وتحسين معيشة العماني، والقضاء على الفساد وإصلاح الأمور، وبالتالي قررنا أيضا أن نشارك بأنفسنا في هذا الإصلاح.

هل لديك كلام أخير تود قوله؟
نعم. أعتقد أن انتفاضة ٢٦ فبراير في صحار كان دافعها الأول إعلاء قيمة الإنسان. هناك من خرج واحتج واعتصم رغم أن حالته المادية ميسورة ولم يكن محتاجًا، وإنما خرج لأنه كان يحسّ بمعاناة إخوته المحتاجين، فأراد من خروجه مساعدة إخوته العاطلين عن العمل، ومحاولة تحسين معيشتهم ومحاربة المفسدين الذين كانوا يقفون ضد الجميع. اذن دافع الكرامة الإنسانية يأتي أولا. يعني نحن نفكر أولا في الطفل العماني والأسرة والمجتمع العمانيَيْن. لأن هؤلاء الشباب المساجين ضحوا من أجل المجتمع العماني، ونتيجة لعملنا هذا فهناك من حصل أخيرًا على عمل، وهناك من نال كرامته وارتفعت معنوياته. لذلك، فإنني أؤكد مجددًا أن من يخرج من السجن ولم يحصل على عمل سوف نقف معه ونقدم له المساعدة. وهذا هو هدفنا الأصلي من خروجنا في ٢٦ فبراير.