الرئيسية » قسم المرأة » مدونة المرأة » صفحات من حياة عائشة السيبانية

صفحات من حياة عائشة السيبانية

أجرت الحوار: حبيبة الهنائي

مقدمة:
نفتتح أولى حواراتنا في مدونة المرأة مع البطلة العُمانية في رياضة البولينج عائشة بنت زاهر السيبانية. عائشة خريجة بكالوريوس من الكلية الدولية للهندسة والادارة في مسقط عام 2019. تعمل مهندسة حفر آبار النفط في شركة تنمية نفط عُمان. متزوجة وام لطفلة اسمها حياه. معرفتي بعائشة تعود منذ أن كانت طالبة مدرسية، ولقد شدتني شخصيتها القوية وثقتها بنفسها. وكنت أدرك منذ ذلك الوقت بأنها شخصية استثنائية وسوف يكون لها مستقبل باهر ليس فقط في مجال رياضة المرأة انما أيضا في مجال تخصصها.

ماذا تعرفين عن يوم ميلادك؟ 
كان يوم ميلادي في الثامن من شهر أغسطس/آب،  أتيت لهذه الحياة في فترة الظهيرة. ويقال من وُلد في فترة الظهير يكون عنيداً وذا شخصية صارمة. لا أدري مدى دقة هذه المقولة لكنها تنطبق عليّ نوعاً ما.

كم عدد إخوتك الذكور والإناث؟
أسرتي كبيرة، مكونة من ستة إخوة وخمس أخوات، أنا سادسهتن. ترتيبي بينهم جميعا هو العاشر، ويصغرني إثنان من إخوتي الصبيان.

هل مورس داخل أسرتك تفرقة في التربية بين الجنسين؟ 
التفرقة في التربية كانت موجودة في إطار العائلة في الزمان القديم جداً. عندما كانت والدتي طفلة؛ فـهي ممن حُرمن من الدراسة، وذاقت قسوة المعاملة، وتزوجت وهي قاصر ودون الأخذ برأيها. ولكن الحمد لله بدأت عادات الجاهلية هذه بالتلاشي قبل ولادتي. والحمد لله لا أذكر بأني مُنعت يوماً من ممارسة حياتي الطبيعية بسبب التفرقة بيننا. لكن هناك موقف واحد لم أستطع نسيانه. وهو في أحد الأعياد، وكنت في عمر لا يتجاوز الـ ٨ سنوات؛ عندما قررت كسر قاعدة لباس العيد. وأن ألبس في صباح أول يوم بنطلونًا وقميصًا بدلا من الفستان؛ لقناعتي بأن أول أيام العيد يتضمن أنشطة كثيرة، ومن حقي ارتداء لباس مريح لي، دون أن يعرقل حركتي ولعبي ونشاطي. لكن يومها واجهت الكثير من الانتقادات من غالبية أفراد العائلة ممن كان لهم كلمة عليّ وممن لا علاقة لهم بالموضوع! وأصبح كلما تأتي طفلة تعايد في بيت جدي، مرتديةً فستانًا، ينادونني ثم يقارنوني بها، ثم ينزل عليّ سيل من الانتقادات. ندمت يومها لأني لم أسمع كلام أمي. أما اليوم فقد أصبح البنطلون والقميص لباسًا عاديًا ترتديه الفتاة في أي وقت وأي مكان وأي مناسبة بدون أي قيود. 

كيف قضيت فترة طفولتك؟ 
قضيت طفولتي بين الاستكشاف والتعلم، واللعب واللعب واللعب. وخَلق مغامرات لنفسي ولأصدقاء الطفولة. تسلقت شجرة الجوافة، وجدار الحوش، وخبّأت الكثير من الذكريات في سطح المنزل. عشت في منزل والدي حتى سن الرابعة تقريباً. توفى والدي فجر الأول من شوال، وكان في يوم “صباحية العيد“. بعدها أصبحت في رعاية أمي وكفالة إخوتي وأخواتي الكبار. لقبني زملاء الدراسة في المرحلة الابتدائية بـ”الدلوعة” لكثرة اهتمام أهلي بي. لم أكن أعي في ذلك الوقت سبب منحي ذلك اللقب. لأني لم أكن أجد اهتمام أهلي بي مبالغًا فيه، أو أنه أمرٌ كبير وغير اعتيادي. ربما لأني اعتدتُ عليه من الصغر. لكن عندما كبرت، فهمت بأني كنت أحصل على أشياء كثيرة، كان أقراني يتمنون الحصول على ربعها.

مثل ماذا؟
مثلاً، في كل يوم أربعاء، حيث كان بداية إجازة نهاية الأسبوع في ذلك الوقت. يمر علي أهلي في المدرسة قبل موعد انتهاء اليوم الدراسي، لكي نتوجه للعاصمة مسقط. طبعا في بداية الـتسعينيات: مسقط بالنسبة لنا كانت تساوي سفرًا. أي “طلعات” وألعاب ورحلات ورفاهية واستجمام. واذا ذهبنا نلعب في مجمع الحارثي أو حديقة ريام اعتبرنا ذلك قمة الرفاهية.

هل لديك ذكريات معينة لا زالت عالقة في ذاكرتك؟ 
نعم. كان لدى والدي -رحمة الله عليه- سرير خشبي في سطح البيت. وكنا أنا وأختي وأخي الأكبر مني سناً مباشرة، نحب اللعب عليه كثيراً. أحياناً كنا نحوله إلى باص مدرسة، وأحيانا أخرى إلى سرير مستشفى. وكان أخي وأختي يتقاسمان أدوار البطولة في كل لعبة. بينما يكون لي الدور الثانوي؛ مثلا أتحول إلى الطالبة التي تذاكر فقط، أو الابنة المطيعة التي لا تتكلم طوال وقت اللعب. وأحيانا المريضة الي تتحول إلى فأر تجارب بين أيدهم. أيضاً من الذكريات الجميلة موسم حصاد الأمبا الأخضر (المانجا). حيث كانت في بيت والدي شجرة أمبا كبيرة، وثمارها كثيرة، وحامضه وحُلوة. وفي موسم الحصاد كنا نذهب إلى بيت الوالد. حيث يتوجه الشباب إلى السطح لكي ينفضوا (يهزوا) الشجرة. بينما نحن الصغار نبقى في حوش [باحة] البيت لجمع الحصاد، ووضعه في أكياس ودلو. لا تمر لحظات قليلة حتى يسمع جدي ضجيجنا، ويأتي لكي يوبخنا وبعدها يهّم بمساعدتنا. أذكر عندما نعود إلى البيت ونسلم والدتنا الغنيمة، تبدأ بتوزيعها في أكياس ثم تعطينا لكي نوزعها للجيران والأهل. وهكذا تعلمت معنى المشاركة والإيثار وحب العطاء.

هل تعرضتِ للتنمّر في طفولتك؟
في الحقيقة لم نكن نعلم عن هذا المصطلح في طفولتنا الذي أصبح يتداول كثيراً اليوم. رغم أن الفعل كان موجودًا، والمتنمرون كانوا موجودين من قديم الزمان.

ماذا كانت طموحاتك؟
على مر السنين كلما كنت أكبر كانت طموحاتي تكبر معي. في البداية كنت أحلم بأن أصبح شرطية لكي أحمي الوطن. بعدها تأثرت بمعلماتي في المرحلة الابتدائية وأردت أن أصبح معلمة؛ شريطة أن أعود بممارسة هذه المهنة في مدرستي التي تعلمت فيها. عندما وصلت إلى الصف العاشر (الأول ثانوي) قررت أن أجلس جلسة تفكير عميق مع نفسي لكي أقرر ما الذي أريد أن أكونه بالفعل بعد المرحلة الجامعية. دائما كان طموحي التميز في مجال يعتقد عموم الناس أنه يصعب النجاح فيه، بل يعتبر شبه مستحيل وخصوصاً بالنسبة للفتيات. لهذا قررت الخوض في مجال النفط وأن أتخصص في هندسة حفر الآبار. بالفعل قمت باختيار المواد العلمية، ووضعت هذا التخصص نصب عيني، بل وسعيت له. لكن للأسف الشديد درجاتي النهائية في مرحلة الثانوية العامة لم تؤهلني لتحقيق هذا الحلم. حينها خاب ظني، وأصبت بالإحباط، وشعرت بأني خذلت أهلي، وذلك بعدما تراجع مستواي الدراسي في آخر سنة دراسية لي من منصة التفوق. لكن سرعان ما تجاوزت الإحباط، وذلك بعدما وافق أهلي على تقديم الدعم لي، من خلال تحمّل نفقات دراستي في التخصص الذي أطمح إليه. بل وبسبب ثقتهم بقدراتي عرضوا علي الدراسة في الخارج على نفقتهم الخاصة. لقد سعدت كثيراً بالعرض، لكن لم أستطع قبوله. وذلك بسبب عدم رغبتي في الاغتراب. أيضاً بسبب التكاليف الباهظة التي كانت ستكلف أسرتي. وبالتالي قررت تكملة دراستي في عُمان، مع تعليق حلمي بالدراسة في الخارج لتحقيقه يوماً ما في المستقبل.

 كيف كانت رحلتك مع الدراسة والعمل؟ 
درست هندسة حفر الآبار في الكلية الدولية للهندسة والإدارة في مسقط. في دفعتي كنا أربع طالبات فقط مقابل أكثر من أربعة وعشرين طالبا. خلال السنة الدراسية الأولى واجهت سيلاً من الانتقادات من المجتمع حولي، بسبب اختياري لهذا التخصص، وكون تخصصات الكلية بشكل عام تستقطب الذكور أكثر من الإناث، لدرجة أنه تسبب بانزعاج أهلي من كلام الناس والتهم الباطلة التي كانت تصل إلى مسامعهم. مما دفعهم إلى أن يعرضوا علي من جديد تغيير التخصص أو الكلية أو حتى الابتعاث للخارج على نفقتهم الخاصة، وذلك لأجل الابتعاد عن هذه الأجواء السلبية. حينها استشرت والدتي ووضحت لها بأنني قد أضعت سنة دراسية كاملة ولا أرغب بخسارتها بسبب كلام الناس. أجابتني: “أريدك أن تكملي دراستك وأن تنجحي وترفعي رأسي، لا تردي عليهم بالكلام ولكن اثبتي لهم إنك صح بالفعل والتفوق“. والحمد لله تخرجت من الأوائل على دفعتي. وبعدها التحقت بسوق العمل، واشتغلت في مجال تخصصي في شركة عُمانية للخدمات النفطية. ومن هناك بدأ مشواري العملي كمصممة حفر آبار النفط وأنا بعمر الـ 22 سنة. اكتسبت منها الخبرة في مجال العمل وكيفية التعامل مع الشركات المتعاقدة بأسلوب احترافي. ومنها انتقلت للعمل في شركات عالمية مختلفة، كلٌّ منها أضاف لي الكثير في مسيرتي المهنية. إلى أن حققت حلمي وانتقلت للعمل مؤخرا في إحدى أكبر شركات النفط المشغلة (operator) في السلطنة.

كيف بدأت مسيرتك الرياضية :
بدأت بممارسة رياضة البولينج في العام 2005 كهواية. ولقد بدأ مشواري الاحترافي في العام 2010. حيث تم تشكيل أول فريق عُماني نسائي لهذه اللعبة. وقتها كنت لازلت طالبة في المرحلة الجامعية. وبدأت أتردد على صالة البولينج بشكل مكثف من أجل التدريب. في الحقيقة هناك أمر ضروري أذكره ولأول مرة هنا، ألا وهو أني سُئلت في الكثير من المقابلات متى بدأتِ ممارسة رياضة البولينج؟ وذكرت بأني بدأت مصادفة في العام 2005 ..

لكن ما هي هذه المصادفة؟ ومن كان وراءها؟

أيامها كانت استضافة السلطنة ندوة (إذا لم تخنّي الذاكرة) للحديث عن رياضة المرأة، وتم عرض فيديو تصويري لأنواع الرياضة التي تمارسها الفتاة العُمانية، مع عرض مقابلات. يومها استدعيت لتمثيل لعبة البولينج. هي بالفعل كانت لعبة بالنسبة لي قبل أن تعتمد كـرياضة حقيقية بالسلطنة. وخلف هذا العمل كانت الطموحة والمجتهدة والملهمة حبيبة الهنائية، التي جعلتْني أدخل صالة البولينج لأول مرة، أمسك الكرة لأول مرة، وألعب البولينج لأول مرة. هذه المصادفة هي التي جعلتني أحب البولينج وأصبح شغوفة بممارسة اللعبة، إلى أن بدأت بالمشاركة في بطولة المرأة عن طريق اللاعبة والرياضية صباح النعمانية، التي ضمتني في فريقها. وفي هذه البطولات بدأت أتعلم أكثر وأظهر بمستوى أفضل من السابق، إلى أن تم اختياري ضمن لاعبات المنتخب للفتيات.

شكراً حبيبة وشكراً صباح، لقد أضفتما شيئاً هاماً في حياتي بسبب اهتمامكما بي ودعمكما لي؛ أنا مدينة لكما بالاعتذار لأنه لم يسبق لي أن صرحت بهذه التفاصيل من قبل.

نرجع للبولينج، خلال السنة الدراسية، كنت أتوجه إلى الكلية في الفترة الصباحية وبعدها مباشرة أتوجه لحصة التدريب. استمر هذا الوضع حتى موعد مشاركتنا في أول بطولة خليجية، والتي كانت خلال النسخة الثانية لدورة رياضة المرأة الخليجية. طبعا كفريق مبتدئ، يفتقر للإمكانيات والدعم ويشارك لأول مرة، فقد كان من الطبيعي والمتوقع عدم تحقيق أي إنجاز يذكر. لكن على الصعيد الشخصي كنت سعيدة جداً كوني ظهرت في البطولة بأداء مشرف. وكل من حضر أشاد بذلك وراهن أن عائشة إذا حصلت على الدعم الذي تحتاجه سوف تبدع وتحقق إنجازات في البطولات القادمة. والحمد لله منذ العام 2010 حتى هذا اليوم أنا مستمرة في ممارسة رياضة البولينج. لقد تعلمت مهارات اللعبة وأيضاً تعلمت في البداية كيف أوازن بين الدراسة ولعبة البولينج، وبعدها بين العمل والبولينج، وبعدها بين العمل والبيت والبولينج. وفي العام 2019 ضغطت على نفسي كثيراً لكي أوازن بين الدراسة والعمل والزواج والبولينج. لا أنكر أن الوضع كان بالغ الصعوبة. حيث ضغطت على نفسي كثيراً وعانيت بسبب التعب والارهاق. لكن بفضل الله وتوفيقه تيسرت الأمور وحصدت ثمار تعبي حيث أصبحت اليوم أقدم لاعبة في منتخب البولينج والأكثر تحقيقاً للميداليات الملونة على المستوى العربي والخليجي.

ماهي انجازاتك الرياضية؟
 في العام 2011 كانت أول مشاركة لي وذلك في دورة رياضة المرأة الخليجية بدولة الإمارات العربية المتحدة، وحصلت على المركز العاشر من أصل 20.  وفي عام 2013 جاءت مشاركتي الثانية في دورة رياضة المرأة الخليجية بمملكة البحرين وحصلت على برونزيتين في الزوجي والفرق. وفي عام 2015 كانت المشاركة الثالثة في دورة رياضة المرأة الخليجية والتي أقيمت بالسلطنة وحصلت على برونزيتين للزوجي والأساتذة. وأيضا في بطولة درع وزارة الشؤون الرياضية مع فريق نادي الطليعة وحصلنا على الذهبية. كما حصلت على شهادة المستوى البرونزي في دورة المدربين العرب بجمهورية مصر العربية كأول امرأة خليجية وعربية تحصل على هذه الشهادة. 

وفي عام 2017 نجحت بتحقيق 4 ميداليات ذهبيه في مسابقات الزوجي والفرق والترتيب العام ومسابقة الأساتذة وذلك ضمن منافسات دورة رياضة المرأة الخليجية الخامسة والتي أقيمت بدولة قطر، وأيضا حصلت على الميدالية البرونزية في مسابقة الفردي بنفس الدورة. وفي عام 2018 شاركت في البطولة العربية وحصلت على فضية الزوجي وبرونزية الفرق بالاضافة الى جائزة أعلى نتيجة في شوط واحد. أما في عام 2019  فقد شاركت في البطولة العربية والتي اقيمت بمصر وحققت فيها فضية الفردي بالاضافة الى فضية الفرق. وأيضا مشاركتي الرابعة في دورة رياضة المرأة الخليجية والتي أقيمت بالكويت وحققت فيها فضيتين للزوجي والفرق. بالاضافة الى البرونزية في منافسات الاساتذة.  هذا بالإضافة الى المشاركة في العديد من البطولات المحلية المفتوحة وتحقيق مراكز مختلفة من عام 2010 حتى اليوم.

ماذا عن الزواج والأمومة؟
في العام 2016 تقدم زوجي يحيى لخطبتي، رغم علمه برفضي لفكرة الزواج في ذلك الوقت على الأقل؛ كون أن حياتي كانت معقدة ومليئة بالالتزامات والارتباطات. الا أنه لم يأخذ رأيي على محمل الجد، وأصر على ارتباطنا. ولقد سعى لكسب صف أخي لإقناعي بالموافقة. رغم أن كل المؤشرات من حولي كانت تقول إنه هو الشخص المناسب، لكن خوفي من قول كلمة [نعم] لازمتني طيلة فترة الخطوبة وإلى آخر لحظة! مما اضطر الملّيك (المأذون) أن يعيد علي السؤال مرتين حتى أجبته بـ [نعم]. في 8 سبتمبر2017 انتقلت رسميا للقفص الذهبي، وبدأت حياتي الجديدة. حيث زادت مسؤولياتي وبطبيعة الحال قلّت ارتباطاتي بالآخرين. كثيراً ما سُئلت كيف قدرت أستمر في ممارسة لعبة البولينج بعد الزواج؟ وهل هذا الموضوع عادي بالنسبة لزوجي؟
لذا من الضروري أن أذكر هنا أن هناك نسبة كبيرة من رجالنا اليوم -ولله الحمد والمنة- يتميزون بالوعي والفهم والعقول المنفتحة، وهم مساندون للمرأة في شتى مجالاتها؛ العمل، والدراسة، والرياضة، وحتى في أمور المنزل، مقتنعين بأن نجاح زوجاتهم وأخواتهم يعني نجاحهم هم كذلك، وموقنين أنهم مثلما هم يعملون في بيئة عمل مختلطة فإن هذا الأمر سينطبق بالتأكيد على زوجاتهم، ومؤمنين كذلك أن المرأة التي تصون نفسها، سوف تبقى تحافظ على نفسها حتى لو عملت بين آلاف الرجال، لأن مبدأ الثقة من الضروري أن يكون حاضراً بين الأزواج والأهم أن يكونوا متفاهمين ويتقبلون ميول ورغبات كلا الطرفين قبل الزواج تفادياً للتصادم بعد الزواج. بالنسبة لي شخصياً؛ تقدم لي يحيى وهو يدرك تماماً بأنني مهندسة نفط، وأن ظروف عملي قد تفرض عليَّ أحياناً الذهاب إلى الصحراء، متى ما استدعت الحاجة إلى ذلك. كما أنه كان مدركًا تماماً قبل الارتباط بي بأنني لاعبة بولينج في المنتخب الوطني النسائي، وأن ممارسة هذه الرياضة قد يكون فيها اختلاط في بعض البطولات، وأننا قد نضطر أحياناً كثيرة للتدريب في صالات عامة، وقد تكون مزدحمة مع عدم توفر الخصوصية للنساء. ورغم هذا كان مقتنعاً وراضياً ولم يقف ضد تحقيق أحلامي وطموحاتي، لدرجة أنني بعد الزواج بفترة وجيزة فكرت في الاعتزال، وكان زوجي هو من شجعني على الاستمرار، بل وأصر بأن أسعى لتحقيق حلمي وعدم التوقف عن ممارسة اللعبة التي أعشقها. بل وأصبح هو من يساندني ويحضر إلى البطولات لتشجيعي.

ماهي الإنجازات التي تفتخرين بها ؟ وهل تحلمين بالمزيد؟؟
أول الانجازات الكبيرة في حياتي التي أفتخر بها هي التحاقي بالتخصص الدراسي الذي اخترته ونجاحي فيه، ومن ثم التحاقي بوظائف في شركات عالمية في مجال تخصصي رغم المعوقات والصعوبات التي واجهتها. فقد أثبتنا بالفعل أن تخصص هندسة حفر الآبار ليس مقتصرا على الذكور فحسب، وأن العمل في هذا المجال لا يعني بالضرورة صحراء. أما على المستوى الرياضي: هذا المجال الذي لا يخلو من المنافسة الشريفة وغير الشريفة على حد سواء، فقد استطعت أن أحقق فيه إنجازات وميداليات مختلفة ليس على الصعيد المحلي فحسب، وإنما أيضًا على الصعيد الخليجي والعربي. وبذلك أكون العُمانية الأكثر تتويجا في رياضة البولينج العُمانية، ولله الحمد، وهذا شرف وفخر ومسؤولية بأن أستمر وأقدم الأفضل لأني أطمح للعالمية.

ما هي نظرة الذكور لك؟ 
لا تختلف عن نظرة النساء لي بتاتاً لأن هناك من يراني رائعة، مثالية، مثابرة مجتهدة شغوفة طيبة ومتواضعة. وهناك من يراني سيئة، خبيثة، كسولة، متواكلة، أنانية ومغرورة. في كلا الحالتين أرى نفسي إنسانة، لي جانب مشرق وجانب مظلم، أملك صفات حسنة وأخرى سيئة، ولست معصومة من الخطأ فكلنا بشر. 

ماهي العوائق التي تواجهينها؟ 
في الوقت الحالي لا أرى أمامي أي عوائق حقيقية تقف في وجه الفتاة وتحقيق طموحاتها. صحيح أنها قد تتأخر قليلاً في الوصول إلى مبتغاها بفعل عوامل خارجة عن إرادتها والفطرة التي خُلقت عليها. ولكن لن تعيقها كلياً، طالما كانت هناك إرادة صادقة وعزيمة قوية. وعلى سبيل المثال؛ العمل في الصحراء ليس عائقًا للنجاح، ولكن في فترة الحمل مثلاً قد تضطر الموظفة لتأجيل برنامجها التدريبي أو الوظيفي إلى ما بعد الولادة أو إلى أن يكبر طفلها قليلاً، وهذه هي سنة الحياة. وهنا أقف وقفة احترام وإجلال لإنسانة عظيمة أراها مدرسة وقدوة لنا جميعاً، وهي أمي الثانية، والدة زوجي، هي أم لـثلاثة أبناء،  تعرضت لحادث سير مروري في بداية الألفية الثانية، وعندما وصل إلى مسامعها قول الطبيب: “ما في أمل أنها تتعافى وتمشي من جديد، وسوف تبقى طريحة الفراش طول العمر“ كانت كلماته كالسهم المسموم بالنسبة لها، ولكن إرادتها القوية منعتها من الاستسلام. فهناك أسرة تنتظر شفاءها، وأبناء لا يهنأ لهم النوم دونها. بعد سنتين عادت لـتمارس مهنتها كمديرة مدرسة، وهي على الكرسي المتحرك. ثم سرعان ما وقفت على قدميها من جديد واستبدلته بالعكازات. بعدها بفترة ليست بطويلة قررت إكمال دراسة البكالوريوس وأنهته بامتياز مع مرتبة الشرف. وبذلك استحقت منحة لإكمال الماجستير. بالله عليكم؛ عن أي عائق نتحدث؟ 

امرأة لها تأثير كبير في حياتك؟ من؟ وماذا تقولين لها؟

أمي. هي مدرستي في الحياة. هي الطبيبة والصيدلية إذا مرضت. وهي المرشدة الاجتماعية إذا أخذتها في جولة لزيارة الأرحام. وهي الأخصائية النفسية، إذا غدر بي الصديق أو القريب، وشعرت بخيبة أمل. وهي الناصحة إذا تهت في الحياة. وهي الناهية إذا تهاونت في أداء فروضي. وهي الدليل إذا اختلفنا في نقاش. وهي مصففة الشعر فجر كل يوم قبل الذهاب للمدرسة. وهي “الحنّاية” في ليلة العيد. وهي الخيّاطة إذا سقط زر من أزرار قميصي. وهي الطبّاخة التي يستعين فيها الجار. وهي المعلمة [الأمية] التي رغم أنها حرمت من التعليم، لكنها تمسك بالقلم، وتكتب مع أبنائها لـتشجيعهم على الدراسة. وهي الرياضية التي تشجعني دوماً في كل بطولة. وهي القدوة الي أتمنى أن أكون مثلها. وجودها في حياتي أكبر نعمة، فقد كانت هي الأم والأب معا بعد وفاة والدي. لقد ربتنا أيتامًا وبذلت قصارى جهدها ألا تقصر معنا في أي شيء.

ما هي العادات السيئة التي ترفضينها في مجتمعك؟
التقليد الأعمى لصيحات الموضة الي تنتشر في الــ”سوشل ميديا”، وتقديس المشاهير، واعتبارهم قدوة، وقضاء ساعات طويلة في تأدية واجب العزاء، دون مراعاة لمشاعر أهل الفقيد، وترك شيء من الخصوصية لهم، او مجال لأخذ قسط من الراحة. الزيارات المفاجئة دون موعد مسبق، خصوصاً إن كانت المرأة عاملة. فرض مهور غالية بحجة أن ( بنتنا ما رخيصة ) متناسين أن الرسول صل الله عليه وسلم قال: ” أيسرهن مهوراً أكثرهن بركة”.

ماذا تعني لكِ الأمومة خصوصاً بعد انجاب ابنتك حياه؟
كنت اعتبر نفسي قد مارست جزء من الامومة حتى قبل الارتباط بالزواج، حيث كنت أهتم في أبناء اخواني. ولكن برفقة حياه اصبحت حياتي فعليا مليئة بالحياة .. انه شعور جدا مختلف، فرح ممزوج بخوف، ولكن يبقى شعور جميل. وهي مسؤولية عظيمة لان الامومة لا تعني فقط الاعتناء بالطفل من أكل وشرب وغيره. الامومة تربية وتنشئة جيل، وهي نعمة اشكر الله عليها. كل يوم أتعلم منها وأتعلم معها أشياءا جديدة. وكثيراً أتشوق للأيام القادمة بصحبتها. 

كيف تخططين لتربية بناتك وأبنائك؟ 
أجد دائما أسلوب الحوار هو الأنجح في التربية لاكتساب ثقة الأبناء. وأيضا المشاركة في المسؤوليات واتخاذ القرارات المهمة. أتوقع أنني لن أختلف في تربيتي كثيراً مع أسلوب تربية أهلي لي. من ناحية النظام والنظافة والأهم مراقبة النفس دائما والخوف من الله تعالى. وأهم قاعدة سوف أسنّها في بيتي: العمل المشترك ومسؤولية الجميع، وأن الطبخ والتنظيف والغسيل ليس مقتصراً على الفتيات دون الذكور. 

وهل ستتوقفين عن ممارسة رياضة البولينج؟
بكل امانه الموضوع لازال يشغل بالي ولم أصل لقرار نهائي بعد. حاليا لا أفكر في الاعتزال لأن المشوار طويل ولم أحقق كل الذي أتمناه من هذه الرياضة بعد. أيضا أن عدد اللاعبات قليل جداً في عُمان، وبالتالي فإن قرار اعتزالي في هذا الوقت قد يوثر سلباً على الفريق. لكن إذا استدعت الامومة أن اضحي بهواياتي وشغفي من أجل طفلتي حياه، بدون تردد سوف أقدم على ذلك.

ماهي رسالتك إلى زوجك يحيى؟
زوجي العزيز يحيى، أنا محظوظة بك .. شكراً لك

ختاماً، ماهي النصيحة التي توجهينها للمرأة؟
خُلقتِ امرأة فعيشي كذلك
أحبي نفسك .. دلليها
سلّحيها بالعلم والثقافة
هذّبي لسانك .. احفظي كرامتك
قفي على قدميك .. كوني قوية
لا تنحني لأحد .. لا تحتاجي أحدًا
راقبي الله في أقوالك وأفعالك
الجئي إليه وتوكلي عليه
وطدي علاقتك به .. يُذلل لكِ كل صعب
ارضي بما لديك ولا تنظري إلى ما في يد غيرك
اضحكي علناً .. وابكي سراً
ثم تناولي قطعة الشوكولاتة .. وإبدئي من جديد
اصنعي لنفسك أهدافًا .. وإسعي لجعلها حقيقة
أهمها أن تعيشي بسيطة .. وتكوني سعيدة
كوني أنتِ كما أنتِ

محبتكم:
عائشة بنت زاهر السيبانية