قليلة الحياء

للكاتبة: مودَّة

إن من أسوأ ما تربّينا عليه -نحن الإناث- هو أن الحياء فضيلة، وأهم الفضائل على الإطلاق، الحياء اللئيم الذي لبسته في فترة من حياتي وأنا وأحاول -بصدق- أن أصبح بنتًا صالحة، كان الحياء حسب تعريف معلمة التربية الإسلامية نظريًا هو أن نستحي من الله فلا نعصيه، ولكن حسب المعنى الذي يؤمن به الجميع  في لاوعيهم بمن فيهم المعلمة نفسها هو أن لا تضحك المرأة بصوت عالٍ، ألّا تركض، ألّا ترفع صوتها، ولا حتى عينيها، كان بأن نمشي وكأننا غير موجودات، كأننا طيور مكسورة الجناح وخائفة، وكان أيضًا بأن لا نقول لا لكل ما تقرره عائلاتنا بشأننا.

لا أنكر أنني أتقنت أن أكون هكذا في فترة ما، قلت لا ومستحيل حين كان بداخلي نعم، وقلت نعم وكل ما فيّ يصرخ بـ”لا”، أنزلت عينيّ ولكن نظرت حين لم يرني أحد، ضحكت في الأماكن العامة بابتسامة فقط ؛لأن القهقهة مبهجة إلا إن صدرت من أنثى، لم أحلم قط بالظهور الإعلامي، وأخفيت وجهي حين صادفت كاميرا بث تلفزيوني، ابتسم قلبي للمارة ولكن وجهي ظلّ جامدًا دائمًا. 
إن التعريف الحقيقي للحياء، والذي لا يعترف به أحد، هو أن تكوني كلّ شيءٍ سوى نفسك، أن تذوبي في قوالبهم الجاهزة للأنثى الشريفة، وأن ترتدي الأقنعة، الكثير منها، لا أحد يهتم بك وبماذا تشعرين، المهم أن تكوني مثل كل الإناث -الشريفات بالطبع- وكأنكِ آلة مبرمجة، ففي الخطبة مثلًا لا يجب أن تظهري سعادتك، وفي أيام الحيض لا يجب أن تظهري ألمك، وحين تعشقين لا يجب أن تعترفي، بل لا يجب أن تعشقي أصلًا لأن العشق منافٍ للحياء يا عزيزتي، سترتدين الأسود دائمًا وكأن أيامكِ كلّها حداد، فالقول بأن الملابس تعكس أمزجتنا وشخصياتنا لا يتماشى مع معايير الحياء، ستصمتين حين يتحرش بك أحد عديمي الاحترام، إن ردك عليه بنهره سيجعل منك فتاة بلا حياء، ولاحظي بأن أحدًا لن يتحدث عن قلة حياء المتحرّش.

هُنا يا عزيزتي يحبون صنع القيود والسلاسل، ويجيدون إقناعنا بأنها خلقت معنا، لكن صدّقي بأن القيود والسلاسل الحقيقية هي الموجودة في عقولنا، التي آمنا بها دون إدراك، لا يستطيعون فرض شيء علينا ما لم نؤمن بأننا نستحقه، حدودك هي أنتِ وليست شيئًا آخر.

تنويه: الآراء المعبر عنها في هذا المقال هي للمؤلف/ ـة ولا تعبر بالضرورة آراء الجمعية