الرئيسية » قسم المرأة » مدونة المرأة » ماذا عساها امرأة تعيش في قوقعة الآن أن تكتب ؟! 

ماذا عساها امرأة تعيش في قوقعة الآن أن تكتب ؟! 

الكاتبة: أم جندب

لم أحلم أبداً بأن أكون رجلاً لكني موقنة بأنني أعيش في محيط ليس امتيازاً فيه أن أكون امرأة ..

ماذا عساها امرأة تعيش في قوقعة الآن أن تكتب ؟! 

هل أبدأ من محاولة الالتئام ؟ تلك التجربة التي لا أعتقد أنني كنت أعيها حتى اليوم الذي رأيته ، عرفته، و تلاقت أعيينا فأيقنت حقاً بأنني أراه، ذانك الحاجبان قطعا سباتي وأعاداني إلى تلك اللحظة حين استبصرته و رأيت خلوده في قلبي.. 
وحده كالضوء يمر من خلالي تماماً كالأشياء الخارقة
كزهرة تحتضنا ضريحاً !

أستشيط غضباً وتجعلني أغمغم تلك المثاليات، حتى حين كنت حاملاً به لم أصدق مرة ذلك الهراء عن أن المرأة حين تلد فجأة ستتفجر لديها مشاعر فياضة تجاه وليدها فالأم بحسب اعتقادي تولد مع طفلها وتكبر معه، فالأمومة ظاهرة تتأثر بعامل الزمن فمشاعر جدتي تجاه أمي لا تقارن بمشاعر أمي تجاهي ، ومشاعري أمي تجاهي لا تقارن بمشاعري تجاه طفلي، لذا أميل إلى تصديق المقولة المتداولة التي تقترح أن الأم هي التي تربي وليست التي تلد ، في الحقيقة صرخات طفلي ونواحه أدخلتني في حالة من الخدر  و الإحباط ،  ليست هناك أم مثالية وأم سيئة هناك أم فقط مجندة الحواس ، والشعور الذي خالجني حينها هو يقيني بأن هذا المخلوق صار مربوطاً بي كنت اشعر بأن عنقي أصبح ثقيلاً ومائلاً  ومع كل هذا ،  هذا المخلوق لم يكن أقل مني خرافة  ولست أقل منه طفولة 
فلما لاتصطفينا الحياة
 كزهرتين 
كعاشقين 
كضفتين 
قلبي يرتعد لفكرة أنه يشعر بي كما أشعر به 
ها أنا ابكي كحصان مذعور 
كان يطارد سعادته فقفزت هي أمامه !

تجربة الأمومة مضنية شعرت حقاً بأنني بندول أتأرجح بين شعوري بالمرارة  مع بكاء رضيعي وصرخاته العالية تارة ، وشعوري بالاكتفاء حين يرشوني بثغره الملائكي حيناً أخرى ، حين أتذكر ترهات إحداهن عن شبح الأمومة وعن كمية المخاوف التي لديها من عدم اكتفاء الذات و وعدم الاستقرار متذرعة بهول التنازلات التي ستقدمها في حال أصبحت أماً ، تتراءى لي عزة بنابها وابتسامتها الرضية التي تقودني لقصتها مع “القوطي” الذي وجدته وحيداً حين كانت تطارد أغنامها قيظاً في أرض قاحلة فالتقطته وحين سألها أبناؤها عنه أجابت بأنها اشفقت عليه ولم ترغب في أن تخلفه وحيداً وراءها في ذلك الجرد ! أعتقد أن الأمومة تجعلنا نقترب من إنسانيتنا ربما أكثر من أنوثتنا أو أكثر من أي شيء آخر .


لا أعلم إن كان يجدر بي العودة بذاكرتي إلى تلك الفترة المبكرة من طفولتي إلى الأثواب الزاهية والضفائر الطويلة، كنت فتاة مدللة ومزهوة بنفسي تعودت أن أتبختر، أرقص وأغني، هكذا أحبت عائلتي أن تراني دائماً حتى أتى ذلك اليوم الذي حصل فيه ذلك الشيء الذي كنت أفهمه ولا أفهمه لأن مصادري كانت محدودة جداً آنذاك ولم أجرؤ أن افتح فمي حينها لأسأل، لأنني كنت طفلة ومن غير اللائق أن تسأل طفلة في هذه الأمور، أتذكر أنني حين حدث هذا الشيء ذهبت لأخبر أمي مدعية أنني لا أفهم ما يحدث على أمل أن أجد تفاصيل أكثر لكن أمي خيبت جميع توقعاتي واكتفت “بجملة تعبيرية استنكارية”  أتحفظ على ذكرها الآن ثم أخذتني لتعلمني كيف أتخلص من هذا المأزق ففهمت يومها أنه لا يجدر بي أن أسأل كثيراً وأن أتقبل الأمر كما هو . منذ ذلك اليوم أصبح شعري الذي كانوا يتباهون بجماله مصدرا للإحراج وبدون أي مقدمات أصبحت مطالبة أن أتلفع بالسواد، كل هذا لأتفادى النظرات،  بالأحرى المقصات الطائرة، التي سيطاردني بها العسكر، أقصد الناس، خشية أن تطعنني، كل ذلك بسبب ذلك الزائر ثقيل الطينة الذي زارني وأصبح جاثوماً من بعدها يؤرقني فلم يقتصر الموضوع على القيود الاجتماعية التي فرضت علي، بل كان علي أن أتعامل مع ضيوف كحب الشباب الذي ملأ وجهي فجعله مريعاً لدرجة أفقدتني الثقة تماماً بمظهري، لدرجة أنني كنت أرفض أن ألتقط حينها، الشعر الزائد والآلام التي كانت تبقيني ممددة على السرير كلما زارتني شهرياً، وحدهن أولئك المصابات بمتلازمة المبايض سيعين ما أقصده بكلمة ألم، لكن في نهاية الأمر كنت أعلم أن ضريبة أن أكون امرأة غالية ولكن لم أتوقع كمراهقة أنها ستكون بهذا الثمن، بالنسبة لي أكرر أنني لم أحلم  ابداً بأن أكون رجلاً لأنه وكما يقول إلياس خوري في روايته “سيناكول” الرجال مابينخاف منه الرجال بينشفق عليه !!

لم أكبر في عائلة تنتصر للنساء وتقدرهن، لكنهم أيضا لم يهضموا حقوقنا فأمي أكملت تعليمها وتعلمت القيادة في وقت لم يتسنَ لغيرها ذلك ولكنها في النهاية اختيرت أن تكون (حلوان) الصلح بين الأخوين اللذين كانت بينهما قطيعة، فقد زوّجت بابن عمها المتزوج من أخرى ولديه أطفال، والذي هو أبي الآن .. كنت أرى أمي تبكي خفية لذا ساورني شعور منذ طفولتي بأنني لم يفترض أن آتي أصلا إلى هذا العالم ، مع أن تجربة أمي لم تكون فاشلة لكن هذه الأشياء التي اعتقد الناضجون أني لا أفهمها حينها جعلتني أعي أكثر مما يفترض أن أعيه وأنا طفلة ، لذلك كنت حريصة ألا أصبح نسخة من أمي، وأن لا أكون “حلوان” صلح أو عربون مجاملة لأحد. ولم يكن أبي من النوع الذي سيجبرني على شيء بغض النظر عن تقليديته  لذلك اخترت رجلاً  قادراً أن يُجسد حقيقتي
 التي لطالما خشيت الاقتراب منها
ويصبح ذاتي التي نسيت أن أؤمن بها !
رجلاً يهدهد بحنان شاعريتي الجريحة 
ويحرض أجنحتي على التناسل بضراوة
ليحلق معي كنورس ، كضوء ، كخفقة 
 ويختار الزواج طريقاً إليّ رغم ارتيابه الشديد من فكرة أن يهدر عمره وقلبه مع الشخص الخطأ، لتركع جميع عقده العاطفية أمامي، فيعلن محبته صريحة لأنه يعتز بي ..ليس اتباعاً لسنة محمودة ولا مجاملةً لمجتمعٍ قاسٍ ، وإنما لأجلي أنا لا سواي ، السيدة ماجدة تشدو قائلة : ( من كفاحِ الأحلامِ أقبلَ ، من يناعِ الأيامِ آه ) أرددها وموسيقى ساحرة تصاحب جوقة عشاق في قلبي  فعلت ذلك بعد أن ادعيت أني لا أعرفه وأنه سمع عني من أخته التي ادعيت انها صديقتي فتقدم لخطبتي 
هذا السيناريو المتهالك الذي يستخدمه معظم العشاق في محيطي على الأقل  لينجوا بحبهم من مصيدة العرف والسائد والحرام والعيب، بالمقابل كان من أحب يتحدث عني  أمام أهله قبل الزواج بكل أريحية فمجتمعنا لا يستطيع أن يمس رجلاً إن أحب لكنه قادر أن يشيطن امرأة لنفس السبب. 

 في الواقع أن لا آبه كثيرا لما يظنه المجتمع، ولكن ما أحزنني حقا هو تمكني من مصارحة أمي بحقيقة مشاعري تجاه من أحب حينها لكن ما هون علي هو أن أمي كانت من البداية تبارك ارتباطي به بالرغم انه لم تعلم بحقيقة حبي له .

صحيح أني تزوجت من أحب لكني لم أنجُ من شفرة التقاليد في زواجي، فسرعان ما اكتشفت بعد فترة وجيزة أنني أعاني من مشكلة جذورها قديمة تعود إلى  إيمان عائلتي بضرورة طهارة ابنتها بالختان لأصبح ككل اللواتي تبتزهن الخيبة على طرف سرير كسكير يقتتل مع ظله فوق مركب من ورق ثم يزج بهن على الهامش حيث لا شيء سوى رضوض في الوجدان وعاطفة متوحشة كل ما تتوق إليه هو أن ترقد بسلام !

تنويه: الآراء المعبر عنها في هذا المقال هي للمؤلف/ ـة ولا تعبر بالضرورة آراء الجمعية