تلقيت خبر قتل المحامية أمل العبرية يوم أمس بعدد من الرسائل مضمونها:”هل أنتِ بخير”؟ فالخبر انتشر آنذاك دون تحديد لهوية المغدورة بجريمة عنف أسري، أجل عندما تُقتل امرأة لأنها امرأة فأنا المقتولة أيضاً، وسأقتل مراراً، وقد أكون الضحية الفعلية التالية أو ستكون قريبتي أو صديقتي، وسيتم تداول خبر القتل بأنها جريمة اعتداء بسبب خلافات أسرية، لماذا؟ لأنه لا يوجد قانون خاص في عُمان يوفر حماية جزائية للمرأة من جرائم العنف الأسري، ولا توجد إرادة حقيقية وثقافة مجتمعية لمناهضة العنف ضد النساء بل على العكس فأن الثقافة السائدة تبرر هذا العنف بجميع أشكاله ولا تعترف بوجوده أصلاً ،ويتم التعامل مع الضحايا بأنهن يتحملن كل الذنب والمسؤولية، بل وتشن حملات إعلامية يشترك فيها الإعلامي والأكاديمي ورجل الدين لتشويه كل مطالبة تنويرية لوقف هذا العنف.
الأكثر مرارة ورعب ومأساوية أننا في وقت سابق كنا نسمع بجريمة قتل أو انتحار بسبب العنف الأسري لفتيات في مقتبل العمر طالبات أو ربات منزل، أما اليوم فجريمة القتل تطال أيضاً المحامية ومسرح الجريمة كان بجانب المحكمة وفي وضح النهار..! ألا يكفي ذلك كبرهان شديد الوضوح والقسوة للتعبير عن حجم وفداحة المشكلة التي آن الأوان للوقوف عندها والتعامل معها بجدية أم أننا سننكر ونتعلل بالأرقام المضللة التي لا تعبر عن الواقع؟ ومن بين أهم أسباب عدم واقعيتها أنها لم ترصد بالشكل العلمي الذي يسهم في قراءة الواقع و دراسته، حيث أن البيانات والتقارير السنوية تعكس وجود خلل في آلية رصد وتسجيل حالات العنف الأسري ضد المرأة فهي لا تصنف حالات العنف والإساءة وفق تصنيفات ثابتة، كما أنها لا تحدد المتسبب بهذا العنف تجاه المرأة، وما إذا كان الجاني من داخل الأسرة أم خارجها، ولا تحدد نوع العنف والإساءة الذي تعرضت له النساء بعكس المسوحات السنوية الشاملة التي تقدمها العديد من الدول حول العالم، والتي تسهم بدورها في دراسة المشكلة ومعرفة مدى انتشارها بشكل سنوي. التحقق من إزهاق روح واحدة بسبب العنف الأسري يعني أن لا مبرر لتجاهل هذا النوع من الجرائم، بهذه الكلمات كنت أدافع عن رسالتي للماجستير المعنونة بجرائم العنف الأسري ضد المرأة.
تشير العديد من الدراسات والإحصائيات الدولية إلى أن جرائم العنف الأسري ضد المرأة هي الأكثر انتشاراً من بين أنواع جرائم العنف التي تتعرض لها المرأة في كل المجتمعات، كما أن الجاني في جرائم قتل المرأة غالباً هو الزوج أو الشريك السابق وأحياناً الرجل الذي رفضت المرأة تقرُّبه إليها، وكثيراً ما توصف هذه الجرائم بعبارات مُلطفة: مشكلة أسرية أو مأساة علاقة. والجدير بالذكر أن جرائم العنف الأسري تعد من الجرائم التي يصعب رصدها ومراقبتها والقضاء عليها؛ لذلك اتجهت العديد من الدول حول العالم لإصدار قانون حماية خاص بالعنف الأسري والذي يشتمل على تعريف للأسرة ويحدد الأفراد الذين يشملهم قانون الحماية من العنف الأسري، وتعريفاً لجريمة العنف الأسري، وكذلك تعريفاً لأنواعها لتمييزها عن الجرائم المشابهة، وتحديداً لصور وأشكال الأفعال الإجرامية لكل نوع من أنواع هذه الجرائم، وكما أنه يشتمل على نصوص قانونية تشدد العقوبات على مرتكبيها، وكذلك عقوبات جزائية بحق كل من يكره ضحية عنف أسري على التراجع عن شكواها، كما أنه يتضمن آليات وأوامر حماية من العنف الأسري. ووجب التنوية هنا بأن العديد من القوانين الخاصة بالحماية من العنف الأسري ضد المرأة تصنف طليق المرأة أو الخاطب باعتباره أحد أفراد الأسرة التي تشدد عليهم العقوبات في حال ارتكابهم لأي جريمة من جرائم العنف ضد المرأة سواء كانت جسدية أو نفسية أو جنسية أو اقتصادية. وفي جريمة قتل المحامية أمل العبرية كان الجاني طليقها وهذا ما يجعل منها جريمة عنف أسرية.
والجدير بالذكر أن سلطنة عُمان تعد من بين الدول العربية القليلة والوحيدة خليجياً بجانب دولة قطر التي لم تصدر قانون حماية خاص بالعنف الأسري، كما أنه لا توجد مفردة عنف أسري في القانون العُماني،ولا شك أن التشريعات والقوانين العُمانية توفر حماية جزائية للمرأة من جرائم العنف بشكل عام؛ولكن إجراءات الحماية من العنف الأسري تتعدى مسألة العقوبات فهي تتطلب منظومة شاملة ومتكاملة من الإجراءات، تكفل بها الدولة للمرأة التي تتعرض لجريمة العنف الأسرية الحماية في المسكن، المعاش، الطبابة، والدعم المعنوي والقانوني. حيث أن هذه الجرائم تتميز عن غيرها من الجرائم المشابهة بأنها تحدث داخل نطاق الأسرة، والعلاقة الأسرية التي تربط الجاني والضحية تخلق بدورها إشكالات عديدة على صعيد إثبات الجرم، وعلى صعيد الإبلاغ عنه، فعلى صعيد الإثبات يصعب إيجاد شهود لأنها تقع داخل الأسرة بعكس الجرائم التي تقع في الأماكن العامة، حيث أن تكرارها وتفاقمها يكون بشكل أكبر، كما أن التأثيرات المرتبطة بحالة الجاني وعلاقته بالضحية تفاقم معاناة المرأة وتجعلها بحاجة للحماية والدعم المعنوي والقانوني الخاص.
أخيراً كما قيل:” على المرء أن لا يتكلم إلا حيث لا يحق له أن يسكت” وهنا لا يحق لنا أن نسكت حتى لا تقتل أمل غدراً مرتين، وحتى لا تقتل صرخة أمل و معنى أمل وألف أمل، وأخيراً حتى لا نتواطىء بقتل صوت ضمائرنا بالصمت المخزي فقد لا تعود قادرة على الحياة مجدداً، فما يقتل بالصمت لن تحييه الكلمات مهما كانت صادقة. آن الأوان للعمل على تنفيذ استراتيجيات وبرامج وطنية لمعالجة الظواهر السلوكية المرتبطة بجرائم العنف الأسري ضد المرأة، وتغيير العادات الاجتماعية التي تدعم هذه الجرائم الأسرية بحق المرأة، والعمل على نشر القيم والتوجهات الثقافية التي تنبذ العنف الأسري ضد المرأة، والأخذ بمبدأ التمييز الإيجابي للمرأة من خلال تضمين نص صريح في النظام الأساسي للدولة، يحدد دور الدولة ومسؤوليتها في القضاء على كافة أشكال العنف والتمييز ضد المرأة، وإصدار قانون خاص بالحماية من العنف الأسري بما يتضمنه من قوانيين رادعه تشدد العقوبات على مرتكبي هذه الجرائم وآليات وأوامر حمائية تعزز الحماية الجزائية للمرأة من جرائم العنف الأسري.