بتاريخ 10 يونيو/حزيران 2020، أصدر السلطان هيثم بن طارق مرسوماً يحمل الرقم 64 لسنة 2020 يقضي بإنشاء مركز الدفاع الإلكتروني، وتبعاً لذلك نشرت الجريدة الرسمية بعددها المرقم 1345 الصادر في 14 يونيو/حزيران 2020 نظام هذا المركز الذي يتضمن 11 مادة. يشعرمركزالخليج لحقوق الإنسان والجمعية العُمانية لحقوق الإنسان بالقلق من أن هذا النظام التنظيمي الجديد سيؤثر بشدة على حرية الإنترنت وحرية التعبير.
يكرس نظام مركز الدفاع الإلكتروني السيطرة المطلقة لجهازالأمن الداخلي -المعروف بقمعه المستمر للحريات العامة وبضمنها حرية التعبير على الإنترنت وخارجه- على مستخدمي شبكة الإنترنت في داخل البلاد وأجهزتهم والبيانات التي يقومون بحفظها على هذه الأجهزة.
حسب الفقرة (3) من المادة (1) فأن رئيس جهاز الأمن الداخلي هوفي واقع الحال نفسه رئيس مركز الدفاع الإلكتروني، في حين تعرف الفقرة (6) من المادة نفسها الأمن الإلكتروني بأنه يعني، “تأمين وحماية الشبكات المعلوماتية، وشبكة الاتصالات، ونظم المعلومات، وعمليات جمع، وتبادل المعلومات باستخدام أي وسيلة إلكترونية.” و تفصح الفقرة (7) عن الجهات المعنية بأنها، “الجهات الحكومية المدنية والعسكرية ومؤسسات القطاع الخاص داخل السلطنة ذات الصلة باختصاصات المركز، وغير ذلك من الجهات التي يصدر بتحديدها قرار من الرئيس.”
لاشك ان كل هذا يعني أن مركز الدفاع الإلكتروني أصبح قسماً تابعاً لجهاز الأمن الداخلي ويقوم بالنيابة عنه بالسيطرة ليس فقط على كامل شبكة الإنترنت لكل قطاعات المجتمع وعموم المواطنين بل ايضاً على عمليات جمع وتبادل المعلومات وبكافة الوسائل الإلكترونية وهذا يشمل كل الأجهزة الشخصية ومنها الحاسوب والهاتف النقال الشخصيين. أن الفقرة (1) من المادة (11) تؤكد تابعية المركز لجهاز الأمن الداخلي حيث تنص على مايلي، “تتكون الموارد المالية للمركز من الآتي: (1) الاعتمادات المالية التي تخصص للمركز من ميزانية جهاز الأمن الوطني.” أن هذا يعني تطبيقه في سياساته وعمله نفس الأنماط الشائعة لدى جهاز الأمن الداخلي ذات الطبيعة القمعية والتي تسعى دائماً إلى مصادرة الرأي الآخر و التضييق على الحقوق المدنية والإنسانية للمواطنين على الإنترنت.
ان الفقرتين (3) و (5) من المادة (4) تعطيان الحق لمركز الدفاع الإلكتروني بفحص الأجهزة والشبكات لجميع الجهات و استلام الوثائق والبيانات المطلوبة وتؤكد على جميع الجهات بأن تلتزم بالقيام بذلك حيث تنص على مايلي، “تلتزم الجهات المعنية بالآتي:
(3) تزويد المركز بالوثائق والمعلومات والبيانات والتقارير اللازمة لقيامه باختصاصاته، وتمكينه من فحص الأجهزة والشبكات والنظم والبرمجيات الخاصة بتلك الجهات.
(5) أخذ موافقة المركز قبل حفظ أي بيانات حساسة، أو معالجتها خارج السلطنة.”
أن هذا يعني ببساطة سيطرة جهاز الأمن الداخلي التامة على الأجهزة والبيانات لكافة المؤسسات وفئات المجتمع واستخدام ذلك من أجل توفير الأدلة والمعلومات عن ناشطي الإنترنت الذين يدلون بآرائهم المخالفة لرأي الحكومة حول القضايا العامة التي تهم المواطنين استعداداً لتهديدهم وسجنهم واستخدام القضاء ضدهم ان تطلب الأمر ذلك.
لقد تم تصميم المادة (6) بشكلٍ خاص لكي تقوم تعطي لمركز الدفاع الوطني كافة الاختصاصات التي تجعله كأحد الاقسام التابعة لجهاز الأمن الداخلي حيث تضم 19 اختصاصاً. أن ما يثير الريبة والحذرالاختصاصات الواردة في الفقرات (5) و (9) و (12) و (19) حيت تنص على مايلي، “يكون للمركز في سبيل تحقيق أهدافه ممارسة الاختصاصات التالية:
(5) وضع الشروط أو الخصائص أو المعايير الوظيفية أو المواصفات الفنية لأي أجهزة أو أنظمة مرتبطة بمجال الأمن الإلكتروني، والموافقة على استعمالها أو استيرادها أو تداولها في السلطنة.
(9) مراقبة شبكات الجهات المعنية، والتحقيق في أي تهديدات إلكترونية، ويجوز للمركز – بعد أخذ موافقة رئيس اللجنة – عزلها إن اقتضت الحاجة في حال عدم التقيد بمعايير الأمن الإلكتروني بما يكفل التصدي لأي تهديدات قد تلحق ضرراً بمنظومة الأمن الوطني، أو اقتصاد السلطنة، أو علاقاتها الدولية والإقليمية.
(12) القيام بالفحص الأمني، والتدقيق على الجهات المعنية متى ما اقتضت الحاجة التأكد من التزامها بالمعايير والسياسات التي يصدرها المركز.
(19) ابلاغ ورفع تقارير دورية إلى المجلس حول قضايا الأمن الإلكتروني ذات البعد الوطني.”
أن الفقرة (5) تُعطي الصلاحية لجهاز الأمن الداخلي ومن خلال أحد أقسامه وهو مركز الدفاع الإلكتروني للقيام باستيراد أجهزة وبرامجيات متقدمة تقوم بحجب المواقع الإلكترونية أو المراقبة الدقيقة لنشاطات حقوق الإنسان على الإنترنت. في حين أن الفقرات الأخرى (9) و (12) و(19) هي فقرات فضفاضة بشكلٍ كبير حيث ان جهاز الأمن الوطني ممثلاً برئيسه اصبح له الصلاحية ليس فقط في مراقبة أي شبكة إلكترونية في البلاد بل وعزلها ايضاً لأسباب يمكن تغليفها ظاهراً بأنها ترتبط “بمنظومة الأمن الوطني، أو اقتصاد السلطنة، أو علاقاتها الدولية والإقليمية.” و “قضايا الأمن الإلكتروني ذات البعد الوطني.” ولكنها في الواقع، يعتقد مركز الخليج لحقوق الإنسان والجمعية العمانية لحقوق الإنسان، ستؤدي إلى إسكات الآراء الأخرى، وملاحقة نشطاء الإنترنت، وفرض قيود كبيرة على حرية الرأي والتعبير، من خلال منح السيطرة الكاملة لجهاز الأمن الداخلي على الفضاء الإلكتروني.
أن قيام السلطات بإصدار نظام مركز الدفاع الإلكتروني في هذا الوقت بالذات، مستغلةً انشغال العالم بجائحة فايروس كورونا (كوفيد-19) هي محاولة مكشوفة من قبلها لتقنين أنماطها القمعية والسعي بقوة لفرض سيطرتها التامة على الإنترنت وتكريس المراقبة الجماعية على جميع المواطنين والمؤسسات ويشمل ذلك شبكاتهم، أجهزتهم، والبيانات التي يتداولونها، مما يهدد وبشكل خطير حقوقهم الاساسية.
يدعو مركز الخليج لحقوق الإنسان و الجمعية العُمانية لحقوق الإنسان الحكومة في ُعمان لإلغاء نظام مركز الدفاع الإلكتروني على الفور وذلك من أجل الحفاظ على الفضاء المفتوح لكي يمارس المواطنون خلاله حقهم المشروع في حرية التعبيرعلى الإنترنت وإنهاء كل أشكال القمع للرأي الآخر على الإنترنت وخارجه. أن مهمة الحفاظ على الإنترنت وجعله أداةً تساهم في بناء مستقبل زاهر لجميع المواطنين يجب أن تناط بمجموعة من الأكاديميين والتقنيين المستقلين وبالتعاون مع وزارة التقنية والاتصالات والجهات المدنية الأخرى المتخصصة بحوكمة الإنترنت ولتكون مهمة الأجهزة الأمنية تنحصر في التصدي في القضايا ذات الطابع الجنائي فقط.