الرئيسية » أخبار » أخبار عامة » في عُمان: بيع العمالة المنزلية يثير مخاوف قانونيين وحقوقيين

في عُمان: بيع العمالة المنزلية يثير مخاوف قانونيين وحقوقيين

اعداد/ سمية اليعقوبي 

في ممر ضيق يوصل لآخر غرفة من منزل مخصص لسكن العاملات المنزليات قبالة الشارع العام في منطقة روي المكتظة شرق مسقط قابلت أمانثا رامدي – 26 عاما (عاملة منزل وأم لطفلة بعمر 4 أعوام) وقد أتت لعُمان في منتصف يوليو الماضي من بلدها أوغندا لتعمل كخادمة منزلية عبر وسيط لاستقدام العمالة المنزلية قد تعاون مع وسيط عُماني لجلب الخادمات.  وقد أقامت رامدي لمدة أسبوعين في بلدها في منزل مع قرابة 40 خادمة أخرى قبل أن تأت لعُمان حيث تعلمت هناك بعض الضوابط الخاصة بالعمل في الخليج وخدمة المنازل. ودفعت رامدي ما يقرب من 200 دولار كضمان مبدئي لمكتب الاستقدام الأوغندي، حيث من المقرر أن تعود هذه المبالغ لعائلتها في حالة استمرارها بالعمل في عُمان وفق العقد الذي يقضي أن تعمل كخادمة منزلية مدة عامين.

تسرد رامدي قصتها قبل السفر قائلة: “تركني زوجي مع طفلة لأربيها وأتكفل برعايتها ولم أكن لأجد ما نأكله في بعض الأيام. حاولت العمل في أعمال كثيرة لكن لم أكن لأجد من يستقبل طفلتي ويرعاها خلال عملي خصوصا وأن الجميع كان يحتاج للمال ولا أحد يقوم بخدمتك مجانا. لم تكن وظيفتي في بقالة صغيرة تكفي حتى لقوت اليوم، وفي أيام كثيرة كانت الطفلة تمرض ولا أستطع أن أجد علاجا لها. عندما اقترح لي سمسار للعمل أن أعمل خارج البلاد، وأنه يمكن أن يساعدني على ذلك شرط توفير مبلغ الضمان وافقت سريعا. لقد وعدني بأن يغطي راتب عملي في الخارج تكاليف الحياة والرعاية للطفلة، حيث سيكون بوسعي أن أضعها مع أي أحد مقابل أن أدفع له القليل من راتبي كل شهر. كان العرض مغريا وسبيلا وحيدا لأن أخرج من حالة العوز والفقر التي ستقضي على حياتي. وتضيف: كنت سابقا قد تعلمت الانجليزية في مدرسة شرق البلاد، لذلك لم يستغرق تعليمي كيفية العمل في الخليج سوى أقل من أسبوعين تقريبا. منحت صغيرتي لسيدة تقيم بالقرب من المنزل، ووضعت معها ما يكفي لرعايتها لعدد محدود من الأيام، واحتضنت طفلتي بقوة وقلت: وداعا!

تتصل ظاهرة تزايد أعداد العمالة المنزلية في المجتمع العُماني بصورة خاصة والمجتمعات الخليجية بصورة عامة بتحسن الأحوال المعيشية في منطقة ثرية نسبيا في العالم. يقوم المواطنون في هذه الدول بجلب الخادمات للمنازل من دول آسيوية مختلفة بينها الهند وسريلانكا والفلبين والكونغو وتنزانيا والصومال. وعلى الرغم من محاولة الحكومة تنظيم هذا السوق المتنامي إلا أن العمالة المنزلية في عُمان لا تزال تواجه مخاطر بالغة تتصل بالاستغلال المادي وغياب الحقوق المدنية والتمثيل القانوني والحقوقي الذي يضعف الوضع الانساني والمهني لهذه العمالة بدءا من سعي الخادمات اتخاذ القرار بالعمل وحتى انتهاء مزاولة العمل. وتعد ظاهرة تدوير العمالة بين المنازل أحد الظواهر الشائعة في سوق عمل الخادمات. لا يكتفي العملاء في عُمان برفض عمل الخادمة في منازلهم وارجاعها لبلدها حينما يشعرون بعدم الحاجة لها، بل يقومون ببيعها لغيرهم من العملاء أو لمكاتب استقدام العمالة المنزلية. وتخفي هذه الظاهرة عددا من التجاوزات القانونية والإنسانية.

بحسب تقارير وزارة القوى العاملة في سلطنة عُمان، يدفع العملاء لمكاتب استقدام العمالة المنزلية في عُمان ودول الاستقدام مبالغ تتراوح بين 1800- 2500 دولار نظير كل عاملة واحدة، وتتضمن هذه المبالغ سعر التقارير الطبية وإنهاء الإجراءات الضريبية الحكومية.

أيقنت أنني سلعة تُباع وتُشترى​

تسرد رامدي ظروف عملها في عمان قائلة: (في عُمان تم ابلاغي مع مجموعة من الخادمات بضرورة أن نصبر ونتحمل ظروف العمل التي قد تبدو قاسية أحيانا. أوصانا مدير المكتب أن لا نعترض كثيرا وأن ننفذ الأوامر كما هي. قال أن علي التنازل عن الكثير من الأشياء حتى أحصل على المال وأن هناك مدة محددة للضمان هي ستة أشهر ولا يمكن للكفيل بعدها ارجاعي للمكتب مرة أخرى). وأضافت: (لقد أوصاني مدير المكتب حينها أن أحسن التصرف ولا أبدي انزعاجا مهما كانت الظروف والمشكلات حتى تنتهي مدة الضمان، وبعدها يمكنني أن أدفع بالكفيل لتغيير ظروف عملي لأن فترة ارجاعي للمكتب ستكون قد انتهت وحينها يمكنني فعل أي شيء ولن يجد الكفيل مخرجا سوى تنفيذه. لم أفهم حقا ما معنى ذلك ولماذا يتم تحذير الخادمة مرارا بشأن ذلك).

تشير رامدي إلى أنها واجهت منذ أيام عملها الأولى ارتيابا من العائلة بسبب لون بشرتها السوداء. وتقول: قال لي صاحب العمل ذات مرة (وقد كان يتحدث الانجليزية على خلاف زوجته): لم تكوني سوداء بهذا الشكل في صورة العقد. لقد خدعونا. حينها علمت أن هناك مشكلة حقيقية ترتبط بلون بشرتي. وفي الأحيان التي كانت تزور فيها ابنة الكفيل المنزل مع أطفالها، كانت سيدة المنزل تحبسني في غرفة طيلة مدة زيارتهم وكانت تبلغني أن ذلك بسبب ان أطفالها يخافون رؤية إمرأة سوداء لكن الأمر قد يتحسن مستقبلا حيث يمكنني أن أعمل بوجودهم عندما يعتادون تدريجيا على الأمر. كانت السيدة تستعين بعاملة ابنتها التي تأت معها في كل زيارة وكانت العاملة تضع لي ما احتاجه من وجبات وملابس شرط أن لا أغادر الغرفة. وضعوني في غرفة دون تكييف وكان الجو شديد الحرارة، حيث ينبغي عليي أن أنام على الأرض واقوم بكي الملابس في ذات الغرفة. كان احتجازي يطول لساعات طويلة قد تصل إلى سبع ساعات في كل مرة. شكوت للكفيل الذي أتى بي للعمل في المنزل واخبرته أن ذلك مؤذ بالنسبة لي فأنا قد أتيت للعمل وعليهم تقبل وجودي بينهم. رفض الكفيل الحديث عن الأمر وأمرني بالصبر لأن الوضع سيتحسن في القريب العاجل. في أحد الأيام تم حبسي في غرفة بالمنزل لأكثر من يوم.

يتطلب العمل الكثير من المهام اليومية بينها التنظيف والاهتمام بالمزرعة والمساعدة في الطبخ والاهتمام بالماشية ولا تستطيع الحصول حتى على قليولة الظهيرة لتكمل العمل حتى الساعة الحادية عشر ليلا. في أحد الأيام أجبرني الكفيل أن أساعده في ذبح بعض الأغنام. لم أقوى على مشاهدة الذبح والدم المنتشر في خلفية المنزل وبدأت أشعر بالدوار وأبكي بشدة، حينها صفعتني سيدة المنزل وأمرتني بمواصلة العمل. وبعد ثلاث شهور، أرجعني الكفيل مرة أخرى إلى مكتب الاستقدام، وطلب أن يتم بيعي للمكتب دون تحديد المبلغ ونقلي للعمل في منزل آخر. وافق مكتب الاستقدام على ذلك، ودفع للكفيل مبالغه حتى يبيعني لمنزل آخر. بسبب ما حدث، علمت أن الوضع قد يبدو أصعب عليه مما توقعت، وعند طلبي الرجوع لبلدي أبلغني مكتب استقدام العمالة المنزلية أن هذا الأمر غير مقبول وأنني محرومة من السفر حتى انقضاء مدة إقامتي ومكوثي في منزل جديد لفترة عامين آخرين. أبلغت المكتب حينها أنني عملت لمدة ثلاث شهور فقال: أن المدة السابقة لن تكون مشمولة ضمن العقد الجديد، وعندما أبلغته أن طفلتي بانتظاري بعد عامين وأنه لا يمكنني أن أبتعد عنها أكثر من هذه المدة أبلغني أن ذلك شأني الخاص وأن رفضي خلال مدة الضمان (التي لا تقل عن ستة أشهر) يتيح له اعادة صياغة عقد جديد وبيعي لعائلة أخرى مرة أخرى. لم يتسنى لي التوقيع على أي عقد للعمل أو التفاوض مع أي أحد بشأن إلزامي المكوث هنا، والآن أنتظر ليتم تسليمي لعائلة جديدة سأقوم بخدمتها لعامين كاملين. إنني أمكث هنا لشهر اضافي في انتظار أن يتم بيعي مرة أخرى ولقد أرجعني كفيلي دون أي يدفع آخر راتب (200 دولار) نظير عملي في منزله.  لقد أيقنت أنني هنا مجرد سلعة تباع وتشترى دون أن يكون بيدي شيء يمكن فعله. لن أتمكن من رؤية طفلتي إلا بعد عامين وأربعة اشهر. لا أعلم كيف سيمكنني تحمل كل ذلك؟

تتحدث مريم الحارثية – 34 عاما ربة منزل واختصاصية اجتماعية مقيمة في مسقط- عن تجربتها قائلة: (أثناء بحثي عن خادمة منزلية في عقد لمدة عامين، صادفت عددا من كفلاء العمل الذين رفضوا عمل بعض الخادمات في منازلهم، ولكنهم لم يكونوا يجدون صعوبة وتحديا في الأمر. لا يتم سؤال الخادمة عما إذا كانت تود العمل أو العودة لبلدها وترك الوظيفة، حيث يتعارف محليا على مبدأ بيع هذه الخادمة لأسرة أخرى واسترداد جميع المبالغ التي أنفقها الكفيل الأول مسبقا على جلب هذه العاملة للمنزل، في الوقت الذي يتحصل فيه الكفيل الثاني على خادمة تملك خبرة وبأسرع وقت ممكن ودونما انتظار. وتضيف: (غالبا لا تعرض عقود العمل على الخادمات، ونجد أن بعضها مصاغ بالعربية أصلا، فكيف يمكن لعاملة أن تقرأ عقدا مصاغا بالعربية أو الإنجليزية وهي لا تتحدث بالعربية والانجليزية أصلا؟، كما أن الكثير من العائلات تتجاوز مكاتب الاستقدام في بيعها للخادمات وتكتفي بإنجاز المعاملة مع المشتري الجديد دون أن تكون هناك ثمة وثائق تتصل بالخادمة سوى بعض الإجراءات الطفيفة التي تنجز في مكاتب للحكومة.

عمل دون إجازة!

قدمت رامشا باتن – 23 عاما- من إقليم بحيدر آباد في الهند في فبراير الماضي لكي تعمل كخادمة منزلية في عُمان بعد أن جربت العمل في الكويت لمدة عامين وانتهى عملها لتعود لبلادها وتقرر مرة أخرى العمل في الخليج. تقول: كشأن غالبية النساء في حيدر آباد، عدت لوكالة العمل التي كنت قد تعاملت معها مسبقا أثناء سفري للكويت وطلبت منهم أن أعمل لمرة أخرى فاخبروني أنني سأغادر إلى عُمان. ولأنني أتقن العربية قليلا وأجيد العمل في الخليج، وعدني وسيط العمل في بلدي أنه سيمنح بعض المال لعائلتي حتى أتمكن من تركها وأسافر مجددا لعُمان. لقد حصل مكتب الاستقدام الهندي من وسيط الاستقدام في عُمان على قرابة 2000 دولار لكن لم يدفع أي منها لعائلتي لاحقا، رغم مطالبتي المستمرة بذلك، حيث أشاروا إنهم يفعلون ذلك في المرات التي تكون فيها العاملة قد ذهبت للعمل للخليج لأول مرة.

وتضيف: عندما قدمت إلى عُمان لم يكن لدي أية مبالغ فوعدني رب المكتب أن الكفيل سيوفر جميع متطلبات معيشتي شرط أن لا أتذمر ولا أبدي انزعاجا حتى تنتهي فترة الضمان الخاصة بإرجاعي للمكتب وهي ستة أشهر مضمنة في العقد. كنت أعمل يوميا من الساعة الخامسة صباحا وحتى الحادية عشر بعد الليل . لم يكن العمل واضحا بالنسبة لي إذ لا يحدثك الكفيل عن التزامات معينة. كنت أطبخ وأهتم بالصغار وأنظف المنزل كاملا وأرتب كافة غرف المنزل وأهتم بالضيوف وببعض المواشي التي تربيها العائلة. وبعد ما يقرب من عام، واجهت مشاكل صحية وحالات تنمل في الأطراف تسبب ذلك في شعوري بألم شديد في قدمي وظهري وكنت لا أستطيع النوم بسبب تلك الالام المستمرة. أبلغت الكفيل بحاجتي للذهاب للمستشفى وأنه ينبغي منحي مدة للإجازة حتى أشفى. أعلمت سيدة المنزل بهذا أيضا وقالت أن الأمر طبيعي فأنا لم آت هنا للراحة والاستجمام. في أغسطس الماضي قررت عدم القيام بشيء، وأخبرت الكفيل بأنني سأتوقف عن العمل لأن جسدي لم يعد يتحمل العمل لساعات طويلة في منزل كبير ودون أقل وقت للراحة. عندما أرجعت لمكتب الاستقدام كانت مدة الضمان المحددة من قبل المكتب (6 أشهر) وفق لائحة الاستقدام في عُمان وهي فترة منتهية لإرجاع الخادمات للمكاتب ولذا طالب الكفيل أن يقوم المكتب ببيعها بأي سعر وأن يسلم ما يتحصل عليه من مبالغ للكفيل مرة أخرى.

كفلاء الاستقدام: نحن لا نتجاوز القانون

في بحث سريع بين مكاتب استقدام العمالة المنزلية للوصول لعاملات يواجهن التدوير بين المنازل، وجدنا بالبحث بين الخادمات أن 10 خادمات من أصل 14 خادمة تم مقابلتها في المكاتب وخارجها هن عاملات مستردات لم يطلعن على عروض للعمل أو عقود رسمية بشأن هذا الأمر، ولا يملكن جوازات سفرهن، ولا يعرفن الظروف المتصلة بعملهن المستقبلي.

يشير سالم الفارسي – 40 عاما وهو مدير مكتب للاستقدام في مسقط- أن ظاهرة التدوير للعمالة المنزلية تعد أمرا طبيعيا في الوضع الذي يحدث فيه عدم تراض بين العاملة وكفيلها. ويقول: نحن لا نتجاوز القانون وإن كانت هناك قوانين دولية متصلة بالأمر فذلك لا يعنينا أصلا لأنه ما من منظم نستطيع الاحتكام إليه فيما يتصل بالتدوير بين المنازل. ويضيف: يمكنك تقديم العاملة للعمل في أكثر من منزل طالما أنها تعمل وفق مدة العقد. إننا نقوم بتقديم العاملة لمنازل أخرى وهذا لا يعني البيع بالضرورة فالكثير من العاملات يقبلن هذا النمط من العمل.

وحول التجاوزات التي تحدث والمتصلة بحرمانهن من السفر وأخذ جوازات السفر، يقول: نحن نأخذ جواز السفر حتى لا تهرب العاملة لدولة أخرى ونفقد أموالنا. نحن والكفيل نخسر الكثير من الأموال نظير الاستقدام وهي مهنة غير مربحة كما يظنها البعض لكن حفظنا لجوازات السفر أمر ضروري حتى نضمن ان لا تتلاعب الخادمة بقوانين العمل لصالحها. ويضيف: في السابق كانت تحدث التجاوزات كثيرا لأن السفارات لا تعلم مصلحتها من الأمر ولا تتدخل، أما اليوم فإن الخادمة بوسعها الوصول للسفارة وتقديم أية شكوى ضد صاحب العمل أو مكتب الاستقدام وسيتم الاستماع لشكواها وتنفيذ مطالبها. لقد حدث وأن قدمت عاملات كثر شكاوى على مكتبي مثلا وقد اضطرنا ذلك لاحقا لتسليم الجوازات ودفع تكاليف ترحيلها لأن السفارات قد توقف التعامل مع أي مكتب مخالف في حالة حدوث مشكلة بينه وبين أحد الخادمات.

توفر المواقع الالكترونية العُمانية غير الحكومية خدمات بيع العمالة المنزلية وتدويرها علنا. في صفحة موقع سبلة عُمان (وهو واحد من أكثر المواقع الالكترونية تصفحا في عُمان) يتم عرض العمالة المنزلية المستردة للبيع على مستوى الأفراد أو مكاتب استقدام العمالة في صفحة مخصصة للعمالة المستردة في المنازل.

حقوقيون: بيع العمالة يخالف قوانين العمل الدولية

تتحدث ليندا الكلش – حقوقية متخصصة في قضايا حقوق العمال- حول حالات إنتهاك قوانين العمل عبر الاسترداد قائلة: معظم الحالات التي قمنا بتتبعها حول تدوير العمالة المنزلية تتصل بالانتهاك الواقع في الاستقدام والنقل من عمل لآخر ثم الإيواء في المنازل بشكل قسري. وتضيف: إن مؤشرات العمل الإجباري واضحة  من خلال تحمل العاملة مسؤولية ارجاع مبلغ الاستقدام. في هذه الحالة، يجدر الاشارة إلى أن التحصل على مبالغ للاستقدام يعد أمرا منافيا للقوانين الدولية، لأنه يجعل العاملة قابلة للرضوخ لأي ضغوطات مقابل تسديد أموال الكفيل المصروفة على الاستقدام. ويعد شراء المكاتب لعاملات المنازل من الكفيل ونشاط الاستقدام التجاري أصلا عملا غير مشروعا وسببا آخرا لوقوع الاستغلال، وإذا ما حدث التعنيف اللفظي أو الجسدي فإن ذلك يرقى لأن يصبح “جريمة”.

ويعتبر الدكتور سعود الزدجالي- كاتب عُماني ومتخصص في التشريع المؤسسي- أن العمالة المنزلية قد تحولت من ظاهرة اقتصادية محاطة بسلسلة من القوانين والأخلاقيات والحقوق، إلى “مادة تجارية” بظهور “مكاتب جلب الأيدي العاملة” مع وجود ظاهرة “الكفيل المواطن”؛ فأصبحت الأسعار المطروحة للاستقدام، وعنصر الخسارة؛ بسبب غياب الضمانات نسبيا عند التعامل مع الإنسان وما يطرأ عليه من أمراض نفسية بسبب هجرته هي المتحكم الأساسي في حركة العمالة المنزلية؛ فوقعت العاملة المنزلية بين طرفين: المكاتب العمالية، والكفيل الذي اشترى هذه الخدمة عبر تلك المكاتب.

الرعاية العمالية الحكومية: لم نغلق أية مكاتب بسبب الانتهاكات وهي لا تزال تعمل بشكل طبيعي

بحسب المديرية العامة للرعاية العمالية فإن عدد المكاتب في العاصمة مسقط وصل حتى الآن إلى قرابة 200 مكتب، بينما يصل عددها في جميع مدن عُمان 360 مكتبا. يتحدث رائد الكيومي رئيس قسم التفتيش بالمديرية العامة للرعاية العمالية والمختص بمكاتب استقدام العمالة المنزلية حول ظاهرة تدوير العمالة المنزلية، قائلا: نتلقى بلاغات كثيرة لكننا لا نقوم بتسجيلها وإذا ما سمحت الظروف لنا بالمعالجة فإننا نفعل ذلك دون تردد. المهم أن تقدم العاملة شكوى لنا أو للسفارة أو للمحكمة. وحول السؤال بشأن عن عدد المخالفات المرصودة، يقول: إن مهمتنا الأولى هي أن نقوم بالتفتيش على مكاتب الاستقدام لكن التفتيش لا يضع باعتباره مناقشة حالات التدوير بين المنازل في المكاتب، لأننا نحاول من خلال التفتيش الالتزام بلائحة الاستقدام والتي لا تقدم أية مواد أو نصوص قانونية بشأن تدوير العمالة المنزلية. لم نسجل إغلاقا لأي مكتب بسبب الانتهاكات وجميع المكاتب تعمل بشكل طبيعي. ويضيف: أثناء التفتيش لا يكون ضمن اهتمامنا الحديث إلى العاملات، فالأمر الهام هو معرفة صلاحية تراخيص المنشأة التجارية والتزامها باستقرار مكان العمل وعدم تغييره اضافة لوجود عقود عمل واضحة وغيرها من الضوابط الادارية.

وكانت اللجنة العُمانية لحقوق الانسان – الممولة من الحكومة- قد نشرت قبل أقل من عام بيانا حول جهود الحكومة في منع ظاهرة استغلال العمالة المنزلية والمتاجرة بها، وانتقدت تقرير هيومن رايتس ووتش قائلة: حاول فريق تقرير هيومن رايتس ووتش تقديم مؤشرات عن أوضاع عاملات المنازل في السلطنة إلا أنه افتقر إلى المنهجية السليمة؛ حيث إنّ استقاء معلومات من عاملات منازل هاربات هن أنفسهن أخللن بعقود العمل التي بموجبها جئن إلى السلطنة، أمرٌ يثير تساؤلات من الناحية المهنية والمنهجية والقانونية.

تتحدث منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير نشر في عام 2016 يتجاوز 70 صفحة عن الواقع الانساني والحقوقي لسوق الخادمات في عمان. ويشير التقرير المخصص حول العمالة المنزلية التنزانية في البلاد بعنوان “باعوني” أن العاملات واجهن ظروفا قاسية امتدت للعمل لساعات طويلة واجبارهن عن العمل بسبب نظام تدوير العمالة المنزلية إضافة لحرمانهن من السفر. في ذات التقرير، تحدثت روثنا ينغم الباحثة بحقوق المرأة في المنظمة أن العديد من العاملات يعانين العمل المفرط والانتهاكات الخفية التي لا تظهرها وسائل الإعلام وأن العودة للبلاد وترك العمل في عمان قبل انتهاء مدة العقد تتطلب دفع مبالغ طائلة لشراء ثمن التذكرة.  

سعود الزدجالي: الانتهاكات المستمرة سببها غياب الثقافة الحقوقية للإنسان الخليجي

يقول الدكتور سعود الزدجالي: المشكلات العمالية لا ترجع إلى عامل محدد، وإنما إلى عوامل مختلفة ومتجذرة اقتصادية، وثقافية، وسياسية؛ لا سيما بعد وجود الطفرات المادية في البيئات الخليجية وتحول النفط من كونه أداة لتنمية الاقتصاد والعمل والإنتاج إلى كونه مصدرا استهلاكيا للرفاه المادي بعيدا عن النظرات الجوهرية في التنمية المستدامة. ويلحظ ارتباط “العمالة المنزلية” بالجذور الثقافية القديمة بشأن الاستعباد الإنساني وتجارة العبيد في الخليج العربي؛ فالنظرة الدونية التي تصاحب المفردات اليومية مثل: “الشغالة” أو “الخدامة” وغيرها تبرز هذا الجانب الثقافي المكبوت إلى السطح.

وعلى الرغم من تزايد أعداد العمالة المنزلية في سلطنة عمان، إلا أنه لا تتوفر أرقام صادرة من جهات مستقلة حول أعدادها في البلاد، لكن الاحصائيات الحكومية تشير إلى تجاوز عدد العاملين في أنشطة الأسر المعيشية (العمالة المنزلية) والمستخدمين لعمل الأفراد الخاص أكثر من مائتي ألف شخص بنهاية ديسمبر من عام 2017 بزيادة سنوية تتراوح بين 2%- 5% كل عام.