الكاتبة: القلب النابض
ماذا يعني أن أكون امرأة ؟؟
يعني أنني ولدت بنتا، ثم نشأت شابة، ثم نضجت لما يسمى: إمرأة
يا لسهولة الأمر، ولكن … هل هو كذلك؟
كوني الإبنة البكر، و أول حفيدة، أضفى فرحة حلوة في أسرتي، و جعلني مدللة نوعا ما. وهذا الدلال سأدفع ثمنه لاحقا حتى أكون: إمرأة!
ما إن أتى أخي بعدي، حتى بدأت الأمور بالتغيير الطفيف، فهو (الولد). لم أستشعر أهمية الأمر في تلك السن الصغيرة. لكنني بدأت أفهم حين وصلت إلى الصف الرابع، ثم بدأت عملية الحرمان و التمييز في الصف السادس.
ممنوع عليك أن تخرجي إلى الدكان …
ممنوع أن تركبي الدراجة الهوائية …
ممنوع أن تسمحي لخالك أن يحملك أو يقبلك …
ممنوع أن تزوري صديقاتك. و إن حدث و ذكرت إسم أو مصطلح (صديقة) فهذا يعني بداية التحقيق و كأنها تهمة أو جريمة. و تبعات ذلك كانت مدمرة و أعاني منها إلى الآن.
ممنوع … ممنوع … ممنوع …
إعتقدت و آمنت بأن ما يفعله والدي هو مصلحتي، حتى و إن لم يعجبني. و كنت أعوض ذلك بالتفوق و التميز في دراستي، الأولى كل سنة، محبوبة المدرسات، البطلة بين الطالبات. حتى إنهم أطلقوا علي لقب: زعيمة العصابة و الفتوة .
لا أنكر أن والدي كان يأتيني بهدية كلما أحرزت المركز الأول، لكنها هدايا مُرّة. هدايا مقابل حريتي و حقي في أن أكون طفلة. ألعب خارج البيت، أحادث فتيات على الهاتف ( الذي كان مراقبا )!
كان خروجي من المنزل إما للمدرسة أو المستشفى و مرة أو مرتين من أجل تجهيزات العيد.
كنت عنيفة نوعا ما في المدرسة، لكنني كنت مهذبة و متفوقة أيضاً. لا أخرج الفسحة مع البنات، بل أصاحب المدرسات و أناقشهن و أحيانا أذاكر. اتخذت قرار الحجاب بنفسي ولم يجبرني أحد. لكن كان هناك تلميح مبكر بأنني يجب أن أرتديه في مرحلة ما. كنت نشيطة جداً في حصة الرياضة. بل و قمت بتدريب مجموعة كاملة من الطالبات على أداء العرض الرياضي الموسيقي، بدلا من المدرسة المسؤولة. لهذه الدرجة كانت ثقة المدرسات في قدراتي.
كانت المدرسة متنفساً جميلاً و ( وحيداً ) لكل ما في داخلي. و عندما أعود للمنزل، كانت أمي العطاء تحاول جهدها لتربيتنا و تلبية طلبات زوجها و بيتها. لم يكن بوسعها أن تعارض أو تقول: لا .. و الا…
كنت أحلم من الصف الأول الابتدائي بأن أكون طبيبة. أحببت الرياضيات و العلوم و اللغة العربية، و تفوقت بشكل مذهل. كانت أمي حبيبتي تشكل أكثر من ٧٠٪ من سبب تفوقي و ذاكرتي. و دائما ما كنت أتشدق بهذا أمام الناس. عاش حلم الطب معي لمدة ثلاثة عشرة عاماً. ثم انتقل إلى رحمة الله و استبدلته بمهنة قريبة. ووفاته لم تكن عرضية؛ بل كانت مع سبق الاصرار و الترصد!
رفض أبي إبتعاثي برسوم رمزية إلى أي دولة أخرى! و كان يقول لي: خليك هنا، أريدك جنبي. و كنت أفكر: هل هذا سجن سأدرك منفعته لاحقا؟ متى؟.. قد انتهيت من المرحلة الثانوية العامة و يحق لي الاختيار، و لكن هيهات …
ما فعله ابي لاحقا حين وافق على إبتعاث اختي؛ كان كفيلا بأن يزيد من استشعار الغضب و الحزن بداخلي. و كان من الصعب جداً أن أغفر له، و لكن، بعد عدة سنوات، حدثت تطورات في حياتي و سامحته، أجل سامحته بكل إرادتي و بعمق قلبي.
كان أبي هو أول رجل يعلمني: أن الرجال يخونون، و يتسببون في أذية الغير لا سيما النساء، و بالتحديد: الضعيفات أو المستضعفات؛ و هذا يشمل كل ( ما ملكت أيمانهم ). لا شك عندي في نيته الطيبة بأنه أراد لي الأفضل. و لكن الأفضل من وجهة نظره و بأسلوبه و كلماته و أفعاله؛ كان من أسوأ ما مررت به، و عانيته، و تألمت بسببه. و للأسف الشديد، لا أستطيع أن أنسى، و كثير منه لا زال يؤرقني، و يؤلمني، و ينخر في روحي، و يجعل عينيَّ تنهمران بحرقة.
سامحك الله يا أبي …
كنت في الرابعة عشرة من عمري، عندما لمحته وأحببته من إبتسامته فقط. لم يدم لقاؤنا أكثر من نصف ساعة، و … لكن لحظة! توقفي! بماذا تهذين أيتها الحالمة؟ كيف تسمين لقاءً عابراً: حباً؟
كانت رحلة عائلية، رأيته للمرة الأولى يحدث أخته (قريبتنا) و إبتسم. تَبِعت الابتسامة ضحكة قصيرة. كانت كافية لأن تضيف إلي ضوء الشمس نوراً آخر و جمالاً آخر. و كانت هذه الابتسامة كافية لغزو قلبي و عقلي و كياني.
اختفى خالد. عاد إلى موطنه. لكن موطنه الآخر، والذي لم يعلم عنه شيئاً لسنوات طوال، كان :أنا.. أجل، كان يسكنني و لا يسكن داخلي فقط. بدأت حياتي تتغير بشكل خجول أمام الآخرين. لكن المعركة اللطيفة في داخلي كانت مختلفة. كنت أبتسم عندما أكون مع زميلاتي، أحدثهن بأن حبيبي سيأخدني بعيداً، حيث سنكون معاً. كان الفضول يتأكلهن حتى يعرفن عنه كل ما هو ممكن. أخبرتهن بإسمه، بصفاته، و بأنني: محجوزة له ( حينها كن يقلن بأنني سأكبر و أتزوج غيره ).
كانت حياتي مختلفة، جميلة، لونها رائق بشدة، يرافقني عندما أنفرد بمخدتي و غطائي ليلاً .. كنت أخبئه بحرص. أناجيه كثيراً.. لوحدي. بنيت قصة جميلة و لكن، كان ذلك بحرص شديد بعيداً عن أنظار أسرتي، أجل. لكم أن تتخيلوا ما يمكن أن يحدث لو علموا بقصة حبي. لن أقول (حبنا)، لأنه حتى اللحظة لا يعلم بأي شئ و بأنني إخترته و حجزته لنفسي.
بعد ست سنوات، التحقت بمعهد و انتقلت للعيش عند قريبي و كانت المفاجأة! رأيته، أجل، كان هناك… كيف، متى، ماذا يحدث؟ كان قلبي على وشك القفز نحوه. جرت الأمور بشكل متسارع بعد هذا اللقاء. كانت الغبية الخجولة، أضعف من أن تقاوم و تكبت ما حفظته داخلها طوال تلك السنوات. انطلقت نحوه بكل مشاعرها و صدقها. لم يكن هناك ما يكبح جماح عواطف شابة لم تجد منفذا و لا موجهاً لما يعتمل داخلها؛ حتى حانت ساعة الصفر.
فلانة، أنا لا أحبك .. أنا أكبرك أكثر من خمسة عشرة عاماً .. أنتي لطيفة، لكن الأمور لن تجري بهذا الشكل بيننا .. أعتذر عن استغلال مشاعرك، و لكن كان من الجميل الشعور بها.. أنا.. أشارت بيدها: اصمت .. هذا يكفي .. كانت عيناها أقوى رد .. انتهينا.
و لكن، هل فعلا انتهى الأمر؟
كانت هذه بداية الهدف الكبير والذي أخلصت له لسنوات عدة مقبلة: الانتقام من الرجال بدون تمييز، و كانت الخطة تتلخص في:
أستميله ..
أوقعه ..
ثم ألقي به دون رحمة ..
دون هوادة ..
.. و دون إنسانية.
تنويه: الآراء المعبر عنها في هذا المقال هي للمؤلف/ ـة ولا تعبر بالضرورة آراء الجمعية